للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: قد فعلت، بخلافه في: {وَاعْفُ عَنَّا}. . . إلخ؛ فإنه يؤمِّن.

ورُدَّ: بأن الذي في "مسلم": أنه تعالى قال: "نعم" في الجميع (١).

قيل: (وقضية هذا الحديث: جواز إطلاق النفس على اللَّه تعالى) انتهى، وهو ظاهرٌ حيث كان من باب المقابلة (٢)؛ كما في: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} وكما هنا (٣)؛ فإن معناه: حرَّمته على نفسي، فنفوسكم بالأَولى، كما أفاده قوله: "وجعلته بينكم محرمًا".

أما إطلاقه في محلٍّ لا مقابلة فيه. . فلا يظهر جوازه؛ لإيهامه حقيقة النفس وهي محالةٌ على اللَّه تعالى.

فإن قلت: قد صح إطلاق الذات عليه تعالى في قول خبيب عند إرادة قتله: (وذلك في ذات الإله. . .) (٤) والجنب في قوله تعالى: {مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} والنفس مثلهما.

قلت: لا نسلِّم أنها مثلهما؛ لأن ذات الشيء حقيقته، فلا إشعار فيها بحدوثٍ ألبتة، وأما الجَنْب. . فالمراد به: الأمر؛ إذ التفريط إنما يكون فيه، فالإتيان بلفظهِ قرينةٌ ظاهرةٌ على أنه لم يرد بالجنب حقيقتَه، وأما النفس. . فإنها تُشعِر بالتنفُّس والحدوث، فامتنع إطلاقها عليه سبحانه وتعالى إلا في حيز المقابلة؛ إذ هو قرينةٌ


(١) تقدم تخريجه (ص ٩٨) في شرح المقدمة.
(٢) قال: الشيخ الشبرخيتي رحمه اللَّه تعالى في "الفتوحات الوهبية" (ص ٢١٠): (وقضية هذا الحديث: جواز إطلاق النفس على اللَّه تعالى على غير وجه المشاكلة، وهو الصحيح كما قال إمام الحرمين؛ بدليل: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ}، {وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ}، وادعاء أنه مشاكلة تقديرية تكلُّفٌ، وقول أهل المعاني: إنها لا تطلق عليه إلا مشاكلة؛ كقوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} غير صحيح كما قال السبكي، وجمع بعض المحققين بين القولين فقال: النفس لها معنيان: الذات، وهذا يصح إطلاقه من غير مشاكلة، والجسمُ، وهذا لا يطلق عليه إلا مشاكلة).
(٣) أي: فإن هذه مشاكلة تقديرية؛ لأنها إما تحقيقية كما في الآية، أو تقديرية كما هنا. اهـ هامش (ج)
(٤) هذا جزء من أحد بيتين له رضي اللَّه عنه؛ وهما بتمامهما: (من الطوبل)
فلسْتُ أُبالي حينَ أُقْتَلُ مسلمًا ... على أيِّ جنبٍ كان في اللَّهِ مصرعي
وذلك في ذاتِ الإلهِ وإن يشأْ ... يباركْ على أَوْصال شِلْوٍ مُمَزَّعِ
أخرجه البخاري (٣٩٨٩) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه. والشِّلْوُ: مفرد أشلاء؛ وهي: أعضاء الجسم بعد بلائه، وممزَّع: مُقطَّع.

<<  <   >  >>