للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإسلام الغزالي قدس اللَّه روحه بقوله: (ليس في الإمكان أبدع مما كان) (١) أي: تمَّ وتعلَّقتِ القدرة الباهرة بإيجاده على أكمل الأحوال وأتقنها وأكملها، وما فيه من الشر. . فهو إضافيٌّ بالنسبة لبعض الأشياء، وليس شرًا مطلقًا بحيث يكون عدمه خيرًا من وجوده، بل وجوده مع ذلك خيرٌ من عدمه، ويصح أن يراد هذا من خبر (٢): "والشر ليس إليك" أي: الشر المحض الذي عدمه خيرٌ من وجوده ليس موجودًا في ملكك.

(يا عبادي؛ لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد) أي: أرضٍ واحدةٍ ومقامٍ واحدٍ (٣) (فسألوني، فأعطيت كل واحدٍ مسألته (٤). . ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط) هو بكسرٍ فسكونٍ ففتحٍ: الإبرة (إذا أُدخل البحر) أي: وهو في رأي العين لا ينقص من البحر شيئًا، فكذلك الإعطاء من الخزائن الإلهية لا يَنقُصها شيئًا ألبتة؛ إذ لأنهاية لها، والنقص مما لا يتناهى محال، بخلافه مما يتناهى كالبحر وإن جلَّ وعظم وكان أكبر المرئيات في الأرض، بل قد يوجد العطاء الكثير من المتناهي ولا يَنْقُصه؛ كالنار والعِلْم؛ يُقتبَس منهما ما شاء اللَّه تعالى ولا ينقص منهما شيء، بل قد يزيد العلم على الإعطاء.

فعلم أن قوله هنا: "إلا كما. . . إلخ" وقول الخضر لموسى صلى اللَّه على نبينا وعليهما وسلم: (ما نقص علمي وعلمك من علم اللَّه إلا كما نقص هذا العصفور -أي: الذي رأياه يشرب- من هذا البحر) (٥)، وزَعْمُ بعضهم فرقًا بين هذينِ، وأن العصفور ينقص منه، بخلاف المخيط إذا دخل فيه. . ممنوعٌ؛ إذ الإبرة إذا دخلت في


(١) أي: ليس في الوجود أبدع مما تم. . . إلخ، فأبدعيةُ غيرِه مستحليةٌ كما قال الشارح فيما، بل لا يتصور وجود أكمل منه؛ لعدم تعلق القدرة به، ولا يستلزم العجز؛ لأن القدرة إنما تتعلق بالممكن، والفرض أن هذا مستحيل فلا تتعلق به القدرة، قاله شيخنا. اهـ "مدابغي"
(٢) قال العلامة المدابغي رحمه اللَّه تعالى في "حاشيته": (في صحاح النسخ: "خبر" بالخاء المعجمة والباء الموحدة، والمعنى: أن هذا التقدير الذي ذكره الشارح من أن ما فيه من الشر إضافي. . . إلخ. . مأخوذ من هذا الخبر، والتفسير بذلك فتأمل تجده صحيحًا، دون ما في بعض النسخ من ضبطه بالحاء المهملة والمثناة التحتية والزاي).
(٣) قال القاضي: (قيد السؤال بالاجتماع في مقامٍ واحدِ؛ لأن تزاحم السُّؤَّال مما يذهل المسؤول ويبهته، ويعسر عليه إنجاح مآربهم، والاسعاف بمطالبهم) اهـ هامش (غ)
(٤) كذا في نسخ الشرح، وفي نسخ القن: (كل إنسان مسألته) وكذا في "صحيح مسلم"، فليتنبه.
(٥) أخرجه البخاري (١٢٢)، مسلم (٢٣٨٠) عن سيدنا أُبي رضي اللَّه عنه.

<<  <   >  >>