للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إعظام الرغبة وتوسيع المسألة، فلا يختصر سائلٌ، ولا يقتصر طالبٌ؛ لما تقرر أن خزائن الرحمة سحَّاء الليل والنهار، لا يَغيضها الإعطاء وإن جلَّ وعظم.

وقيل: إن ذلك إشارة للنعمة المخلوقة، وهي يُتصوَّر فيها النقص كالبحر (١).

و (نقص) يستعمل لازمًا كنقص المال، ومتعديًا كما هنا؛ إذ مفعول الماضي والمضارع محذوفٌ بدليل السياق.

(يا عبادي؛ إنما هي أعمالكم أُحصيها) أي: أضبطها (لكم) بعلمي وملائكتي الحفظة، واحتيج لهم معه لا لنقصه عن الإحصاء، بل ليكونوا شهداء بين الخالق وخلقه، وقد ينضم إليهم شهادة الأعضاء زيادة في العدل: {كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}.

لا يقال: قضية (إنما) انحصارُ فائدة الناس في معادهم في ثواب أعمالهم ونفيُ المزيد مع ثبوت النص والإجماع به في نحو: {وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ}، {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} لأنَّا نقول: الحصر إنما هو بالنسبة لجزاء الأعمال (٢)؛ أي: لا جزاء ينقسم إلى خيرٍ وغيره إلا عن عملٍ يكون سببًا له، وأما الزيادة على ذلك. . فلم يتعرَّض لها بنفيٍ ولا إثباتٍ، وقد صحَّت فيها نصوصٌ أُخرى لا معارض لها، فوجب الأخذ بها.

(ثم أُوفِّيكم إياها) أي: جزاءها في الآخرة، على حدِّ: {وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} فلما حذف المضاف. . انقلب المجرور منصوبًا منفصلًا، أو في الدنيا أيضًا؛ لما روي: أنه صلى اللَّه عليه وسلم فسَّر ذلك بأن المؤمنين يُجازَون بسيئاتهم في الدنيا، ويدخلون الجنة بحسناتهم، والكافر يُجازَى بحسناته في الدنيا، ويدخل النار بسيئاته.


(١) قوله: (وقيل. . . إلخ) هذا مقابل ما تقدَّم من جعل الحديث من باب ضرب المثل؛ يعني إما أن يجعل الحديث من باب ضرب المثل، وليس المراد به حقيقته كقول الخضر السابق، أو يبقى الحديث على ظاهره، ويحمل على حقيقته، ويكون مفروضًا في النعمة المخلوقة، وهي يتصور فيها النقص لتناهيها، تأمل. اهـ "مدابغي"
(٢) قوله: (الحصر إنما هو بالنسبة لجزاء الأعمال) أي: لا مسبب للجزاء إلا العمل، فالمراد: حصر سببية الجزاء في الأعمال، وليس في الحديث أنه لا يحصل للإنسان في المعاد إلا الثواب بقدر العمل دون الزيادة، وحينئذٍ فالزيادة مسكوتٌ عنها في هذا الحديث، لم يتعرض لها بنفى ولا إثباتٍ، وإنما الدليل عليها نصوص أخرى من الكتاب والسنة. اهـ "مدابغي"

<<  <   >  >>