للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

البر: كلمةٌ جامعةٌ لجميع أفعال الخير وخصال المعروف، والإثم: كلمةٌ جامعةٌ لجميع أفعال الشر والقبائح كبيرها وصغيرها، كما علم مما قررته فيهما، ولهذا السبب قابل صلى اللَّه عليه وسلم بينهما وجعلهما ضدين.

(وعن وابصة) بموحدة مكسورة فمهملة (ابن معبد رضي اللَّه) تعالى (عنه) قَدِم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في عشرة رَهْطٍ من قومه بني أسد بن خزيمة سنة تسع فأسلموا، ورجع إلى بلاده، ثم نزل الجزيرة، وسكن الرقة ودمشق، ومات بالرقة، ودفن عند منارة جامعها.

(قال: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: جئت تسأل عن البر؟ قلت: نعم) ففيه معجزةٌ كبرى له صلى اللَّه عليه وسلم؛ حيث أخبره بما في نفسه قبل أن يتكلَّم به، وأبرزه في حيز الاستفهام التقريري مبالغةً في إيضاح اطلاعه عليه وإحاطته به.

وفي روايةٍ لأحمد: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وأنا لا أريد أن أدع شيئًا من البر والإثم إلا سألت عنه، فقال لي: "ادنُ يا وابصة" فدنوت حتى مسَّت ركبتي ركبته، فقال: "يا وابصة؛ أخبرك بما جئت تسأل عنه أو تسألني؟! " قلت: يا رسول اللَّه؛ أخبرني، قال: "جئت تسأل عن البر والإثم؟ " قلت: نعم، قال: فجمع أصابعه الثلاث، فجعل ينكتُ بها في صدري ويقول: "يا وابصة؛ استفتِ نفسك. . . " الحديث (١).

(قال: استفت قلبك) وفي رواية: "نفسك" أي: عوِّل على ما فيه؛ لما مر أن للنفس شعورًا بما تُحمد عاقبته فيه أو تُذم.

ثم ذكر له ضابطًا يميز به الجائز عن غيره بقوله: (البر ما اطمأنت) (٢) أي: سكنت (عليه) وفي رواية: "إليه" (النفس واطمأن إليه القلب) لأنه تعالى فطر عباده


(١) مسند الإمام أحمد (٤/ ٢٢٨) عن سيدنا وابصة بن معبد رضي اللَّه عنه.
(٢) قال العلامة المدابغي نقلًا عن العلامة المناوي رحمهما اللَّه تعالي: (قوله: "ما" أي: شيء، أو الذي "اطمأنت" كذا في نسخ هذه الأربعين، وسلَّمه شراحها وأقروه، والذي وقفت عليه في أصولها الصحيحة: "سكنت").

<<  <   >  >>