وذكر الترمذي: أنه سمع البخاري يحدث عنه بحديث: "من شيع جنازة"، وابن عدي: أن النسائي حدث عنه.
(بإسناد جيد) وفي نسخة (حسن)، فإن قلت: ما حكمة قول المصنف أولًا: (حديث صحيح) وقوله هنا: (بإسناد جيد)؟
قلت: حكمته: أنه لا يلزم من كون الحديث في "المسندين" المذكورين أن يكون صحيحًا كما يأتي، فبيَّن أولًا أنه صحيحٌ، وثانيًا أن سبب صحته أن إسناد هذين الإمامين اللذين أخرجاه له صحيحٌ أيضًا.
وله حكمةٌ أخرى حديثيةٌ: وهي ما صرحوا به أنه لا تلازم بين الإسناد والمتن؛ فقد يصح السند أو يحسن؛ لاستجماع شروطه: من الاتصال والعدالة والضبط دون المتن؛ لشذوذٍ فيه، أو علَّةٍ، فنص المصنف أولًا على صحة المتن بقوله:(هذا حديث صحيح) وثانيًا على صحة السند بقوله: (بإسناد جيد).
فإن قلت: صرحوا بأن قولهم: (هذا حديث صحيح) مرادهم به اتصال سنده مع سائر الأوصاف في الظاهر لا قطعًا. اهـ، فعليه: لِمَ لَمْ يكتفِ المصنف أولًا بقوله: (هذا حديث صحيح) عن قوله هنا: (بإسناد جيد)؟
قلت: هم وإن أرادوا ذلك إلا أنه لا يلزم منه الحكم على كل فردٍ من أسانيد ذلك الحديث بالصحة، ومع ذلك هو أقوى من تقييد الصحة بالإسناد (١)؛ كما في قول المصنف:(بإسناد جيد) لأنه حينئذٍ لا يبقى صريحًا في صحة المتن ولا ضعفه.
فعلم أن الحكم بالصحة أو الحسن للإسناد أحطُّ رتبةً عن الحكم بأحدهما للحديث، ومع ذلك لو أَطلقَ الحكم بأحدهما للإسناد مَنْ عُرفَ منه باطِّراد أنه لا يفرق بين الحكم بأحدهما له وللمتن. . كان ذلك حكمًا للمتن بأحدهما أيضًا.
واعترض تصحيح المصنف أو تحسينه لحديث أحمد بأنه أخرجه من طريقين، إحداهما فيها علتان: ضعف، وانقطاع، وأخرى فيها مجهول.
وجوابه: أن أحمد خرجه من طريقٍ أخرى عن أبي أمامة قال: قال رجلٌ:
(١) أي: قولهم: (هذا حديث صحيح) أقوى من اقتصارهم على (بإسناد صحيح) اهـ هامش (غ)