للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نعم؛ لأن فعلًا لا علة له عبثٌ، واللَّه تعالى منزهٌ عنه، ولأن القرآن مملوءٌ من تعليل أنعاله تعالى، نحو: {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ}. وقيل: لا؛ لأن كل مَنْ فعل فعلًا لعلةٍ كان مستكملًا بها ما لم يكن له قبلها، فيكون ناقصًا بذاته، كاملًا بغيره، والنقص على اللَّه تعالى محالٌ، ورُدَّ بمنع الكلية، وأن ذلك لا يلزم إلا في حق المخلوقين.

والتحقيق: أن أفعاله تعالى معللةٌ بحكم غايتها، تعود لنفع المكلفين وكمالهم، لا لنفع اللَّه تعالى وكماله، لاستغنائه بذاته عما سواه، فتلك العِلل حكم موضحةٌ لأفعاله، لا أغراض باعثة عليها؛ لأنه تعالى منزهٌ عن أن يبعثه شيءٌ على شيءٍ.

وعلم أيضًا: أنه لو ورد دليلٌ خاصٌّ بضررٍ خاصٍّ. . خصص به هذا العموم على القاعدة الأصولية من تقديم الخاص على العام، ولا نظر حينئذٍ إلى رعاية المصالح؛ لأن الشارع أدرى بذلك من غيره في العبادات والعادات والمعاملات.

ولبعض الشُّرَّاح هنا تفصيلٌ في ذلك بكلامٍ طويلٍ مُمِلٍّ خارجٍ عن المقصود؛ فلذا أعرضتُ عنه وإن كان فيه أنظار شتى ينبغي التفطُّن لها.

ثم رعاية المصالح إنما هي تفضُّلٌ منه تعالى على خلقه من غير وجوبٍ عليه، خلافًا للمعتزلة؛ لأنه متصرفٌ فيهم بالملك، فلم يجب لهم عليه شيءٌ، واحتجاجهم -أعني: المعتزلة- بأنه تعالى كلَّفهم فوجب رعاية مصالحهم؛ وإلَّا. . كان من التكليف بما لا يطاق. . مبنيٌّ على مذهبهم الباطل أيضًا من اعتبار تحسين العقل وتقبيحه.

ووقع ترددٌ في أن الشرع حيث راعى مصالح الخلق هل راعى مطلقها في جميع محالها، أو أوسطها في ذلك، أو مطلقها في بعضٍ، وأكملها في بعضٍ، وأوسطها في بعضٍ، نظرًا في كل محلٍّ لما يصلحهم وينتظم به حالهم؟ قيل: والأقسام كلها ممكنةٌ، وأشبهها الأخير.

ودليل رعايتها الكتابُ؛ نحو: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ}، {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} وذلك كثير، بل ما من آيةٍ إلا وهي مشتملةٌ على مصلحةٍ أو مصالح.

<<  <   >  >>