للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(فبلسانه) أي: بقوله المرتجَى نفعُهُ (١) من نحو صياحٍ، واستغاثةٍ، وأمر من يفعل ذلك، وتوبيخٍ، وتذكيرٍ باللَّه تعالى وأليم عقابه، مع لينٍ أو إغلاظٍ حسب ما يكون أنفع، وقد يبلغ بالرفق والسياسة ما لا يبلغ بالسيف والرياسة (٢).

فعلم أنه يجب التغيير بنفسه أو بإعانة غيره إن عجز، سواء أكان الآمر ممتثلًا ما أمر به أو نهى عنه أم لا.

نعم؛ صح (٣): (أنه صلى اللَّه عليه وسلم رأى في النار قومًا يدورون كما تدور الرحى، فسأل جبريل عنهم فقال: كانوا يأمرون بالمعروف ولا يفعلونه، وينهون عن المنكر ويفعلونه) (٤).

وصح أيضًا: "يُلقى العالم في النار فتندلق أقتابه، فيقال: لِمَ ذلك؟ فيقول: كنتُ آمر بالمعروف ولا أفعله، وأنهى عن المنكر وأفعله" (٥).

وسواء أعلِمَ عادةً أن كلامه لا يؤثر أم لا؛ على ما في "الروضة" للمصنف (٦)، لكن خالفه كثيرون فقالوا أخذًا من أحاديث مصرحةٍ بذلك: إذا علم ذلك. . سقط الوجوب عنه، ونقل الإمام عليه الإجماع، لكنة ليس في محله، بل ظاهر كلام المصنف: أن الإجماع على الأول (٧)؛ فإنه نقله عن العلماء، وهذه الصيغة تفيد


(١) وسيأتي من كلامه [قريبًا، انظر هامش ٧] ما يرد هذا القول، وأنه لا فرق بين أن يرجى نفعه أو لا. اهـ "مدابغي".
(٢) وحكى التاج السبكي عن أبيه: أنه كان يجتمع ببعض الأمراء وكان الأمير يلازم الحرير، فقال: يا أمير؛ بكم الذِّراع من هذا؟ فقال: بدينار، فقال: في الصوف ما يساوي كل ذراع منه دنانير، ومماليكك وخدمك يشاركونك في لبس الحرير، ولا يليق بشهامتك أن يساووك، فاعدل إلى الصوف؛ فإنه أعلى وأغلى مع ما فيه من السلامة من العقاب الأخروي، فاستحن كلامه، ولو قال له ابتداءً: هذا حرام. . لم يفد. اهـ "مدابغي"
(٣) قوله: (نعم؛ صح. . . إلخ) قصد بهذا الاستدراكِ دفْعَ ما يتوهم مما قبله أنه لا إثم على الآمر الذي لم يمتثل ما أمر به، والناهي الذي لم ينته عما نهى عنه، ولو قال: ولا يعارض هدا العموم ما صح. . . إلخ؛ لأن تعذيبهم إنما هو على فعل المنكر لا على إنكاره، كما عبَّر به غيره من الشُّراح. . لكان أولى. اهـ "مدابغي"
(٤) أخرج ابن حبان في "صحيحه" (٥٣)، وأبو يعلى (٣٩٩٢) عن سيدنا أنس رضي اللَّه عنه قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "رأيت ليلة أسري بي رجالًا تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ فقال: الخطباء من أمتك؛ يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون؟! ".
(٥) أخرجه البخاري (٣٢٦٧)، ومسلم (٢٩٨٩) عن سيدنا أسامة بن زيد رضي اللَّه عنهما بنحوه.
والأقتاب: الأمعاء والأحشاء.
(٦) روضة الطالبين (١٠/ ٢١٩).
(٧) اعتمده الشارح رحمه اللَّه تعالى في "التحفة" (٩/ ٢١٧) حيث قال: (وإن ظن أنه لا يمتثل كما في "الروضة" وإن نوزع بنقل الإجماع على خلافه).

<<  <   >  >>