وليس له على الأصح حمل الناس على مذهبه مجتهدًا كان أو مقلدًا، فلم يزل الخلاف بين الصحابة والتابعين في الفروع ولا يُنكِر أحدٌ على غيره مجتَهَدًا فيه، وإنما ينكرون ما خالف نصًا أو إجماعًا أو قياسًا جليًا، ويأمر الناس حتمًا كما في "الروضة" وإن خالف فيه كثيرون بصلاة نحو العيد (١) - أم غير عامٍّ، فمن فوَّت صلاةً وقال: نسيانًا. . أمره بالمراقبة، ولا يعترض على من أخَّرها ما دام من الوقت ما يسعها جميعها، وينهى أئمة المساجد المطروقة عن التطويل، وينهى أيضًا عن تغيير هيئة عبادة، كجهرٍ بسريةٍ أو عكسه، وعن تصدُّرٍ لتدريسٍ أو وعظٍ بلا أهلية، والقضاة عن تعطيل الأحكام، والخونة عن معاملة النساء.
أم كان محض حق آدمي عامًا فيأمر أهل المكنة إن تعذَّر بيت المال بنحو بناء سورٍ احتيج إليه، وإعانة أبناء السبيل المجتازين.
أو خاصًا فينهى مدينًا موسرًا عن مطله، وجارًا عن تعدٍّ في جدار جاره، ويأمر بالحق بطلب مستحقه ولا ضرب له ولا حبس.
أم اجتمع فيه الحقَّانِ فيأمر بإنكاح الأكفاء، وإيفاء العُدد، والرفق بالمماليك، وينهى عن كشف عورته بحمامٍ ويأمر بسترها، ومَنْ رآه واقفًا مع امرأةٍ بشارعٍ غير مطروقٍ بالذهاب عنها، ويقول له: إن كانت أجنبيةً. . فاتقِ اللَّه تعالى، وإن كانت محرمك. . فصُنْها عن مواقف التُّهَم.
ويرفق بجاهلٍ أو ظالمٍ خاف من أمره أو نهيه، ويحرم التجسُّس والبحث واقتحام الدور بالظنون ما لم يغلب على ظنه بنحو إخبار ثقةٍ خلوةَ جماعةٍ أو واحدٍ بمنكرٍ لا يتدارك، كقتلٍ أو زنًا، فلا يحرم، بل يلزم ذلك مَنْ أمِن على نفسه وماله.
واعلم: أن فرض الكفاية إذا لم يقم به أحدٌ. . أثم كل من علم به وتمكَّن منه، وكذا من جهله وكان يمكنه البحث عنه لقربه منه فتركه؛ إذ يلزمه البحث بما يليق به، ويختلف بكبر البلد وصغرها.
وإذا قام الكل بفرض الكفاية ولو مرتبًا. . كان كلٌّ منهم مثابا عليه، فلا مزية