للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غيره" (١) وهو وإن كان في سنده ضعفٌ يُعمَل به في الفضائل.

وذكر حرب الكرماني أنه رأى أهل دمشق وحمص ومكة والبصرة يجتمعون فيقرأ أحدهم عشر آياتٍ والناس ينصتون، ثم يقرأ آخر عشرًا حتى يفرغوا، وقول مالك بكراهته تأوله بعض أصحابه بما إذا كانوا يقرؤونه جماعة دون ما (٢) إذا كان كلٌّ يقرأ أو يذكر لنفسه على انفراده، وحمل الحديث عليه، وفيه بُعْدٌ؛ إذ لا اجتماع حينئذٍ؛ ففي حمل الحديث عليه استنباط معنًى من النص يعود عليه بالبطلان وهو ممتنعٌ.

وفي روايةٍ: "ما جلس قومٌ يذكرون اللَّه" (٣) وهي تعم كل ذكرٍ، خلافًا لمن زعم أن المراد هنا: ما ينصرف إلى الحمد والثناء (٤).

ويصح على بُعْدٍ حمل الحديث على تعلُّم القرآن وتعليمه، ولا خلاف في ندبه، وأخرج البخاري: "خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه" (٥)، وقد كان صلى اللَّه عليه وسلم أحيانًا يأمر من يقرأ القرآن في المسجد ليسمع قراءته، وكان عمر يأمر من يقرؤه عليه وعلى أصحابه وهم يسمعون.

(إلا نزلت عليهم السكينة) فعيلةٌ من السكون للمبالغة، والمراد بها هنا: الوقار والطمأنينة: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} أي: تسكن وترضى بجميع أقضية الحق كما يأتي، لا ضد الحركة، وفي حديثٍ مرسلٍ: أنه صلى اللَّه عليه وسلم كان في مجلسٍ فرفع بصره إلى السماء ثم طأطأ بصره، ثم رفعه فسُئل عن ذلك فقال: "إن هؤلاء القوم كانوا يذكرون اللَّه تعالى -يعني: أهل مجلسٍ أمامه- فنزلت عليهم


(١) ذكره الديلمي في "الفردوس" (٦١١٧) عن سيدنا أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه.
(٢) قوله: (كانوا يقرؤونه جماعة دون ما) زيادة من النسخة (غ)، وقال العلامة المدابغي رحمه اللَّه تعالى: (هكذا في نسخة صحيحة).
(٣) عند ابن حبان (٨٥٥) عن سيدنا أبي سعيد وأبي هريرة رضي اللَّه عنهما.
(٤) قال الإمام النووي رحمه اللَّه تعالى في "التبيان" (ص ٤٥): (واعلم: أن المذهب المختار الذي عليه من يعتمد من العلماء أن قراءة القرآن أفضل من التسبيح والتهليل وغيرهما من الأذكار، وقد تظاهرت الأدلة على ذلك، واللَّه أعلم). وقال أيضًا في "المجموع" (٨/ ٤٨): (فقراءة القرآن أفضل من الذكر إلا الذكر المأثور في مواضعه وأوقاته؛ فإن فِعْلَ المنصوص عليه حينئذٍ أفضل؛ ولهذا أمر بالذكر في الركوع والسجود، ونهي عن القراءة فيهما).
(٥) صحيح البخاري (٥٠٢٧) عن سيدنا عثمان رضي اللَّه عنه.

<<  <   >  >>