للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حيث يذكرني" (١)، وفي رواية: "أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه" (٢).

وباطنها (٣): كالزهد، والورع، والتوكل، والرضا (٤)، وغيرها من سائر أحوال العارفين، سيما محبة أولياء اللَّه تعالى وأحبابه فيه، ومعاداة أعدائه فيه.

وأخرج أبو داوود: "إن للَّه تعالى لأناسًا ما هم بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من اللَّه تعالى" قالوا: يا رسول اللَّه؛ من هم؟ قال: "هم قومٌ تحابوا بروح اللَّه على غير أرحامٍ بينهم، ولا أموالٍ يتعاطَونها، فواللَّه؛ إن وجوههم لنور، وإنهم لعلى نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس" ثم تلا هذه الآية: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (٥).

وأخرج أحمد: "لا يجد العبد صريح الإيمان حتى يحب للَّه، ويبغض للَّه، فإذا أحب للَّه، وأبغض للَّه. . فقد استحقَّ الولاية من اللَّه تعالى" (٦).

(حتى أحبه) بضم أوله وفتح ثالثه (٧)، فعلم أن إدامة النوافل -بعد أداء الفرائض؛ إذ قبل أدائها لا يعتد بالنوافل كما يشير إليه تأخير هذه وتقديم تلك- تفضي إلى محبة اللَّه تعالى للعبد، وصيرورته من جملة أوليائه الذين يحبهم ويحبونه كما هو معلومٌ من الشاهد؛ فإن من داوم خدمة سلطان ومهاداته. . أحبَّه وقرَّبه.

ويؤخذ من سياق الحديث أن الولي إما متقربٌ بالفرائض؛ بألَّا يترك واجبًا ولا يفعل محرمًا، أو بها مع النوافل، وهذا أكمل وأفضل، ولهذا خُصَّ بالمحبة


(١) أخرجه البخاري (٧٤٠٥)، ومسلم (٢٦٧٥) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٢) أخرجه ابن ماجه (٣٧٩٢)، والإمام أحمد (٢/ ٥٤٠) عن سيدنا أبي هريرة رضي اللَّه عنه.
(٣) قوله: (وباطنها) معطوف على قوله قبل قليل: (ظاهرها كتلاوة القرآن).
(٤) قوله: (كالزهد والورع والتوكل والرضا) قال ملا علي القاري رحمه اللَّه تعالى: ولقد أغرب (حج) -أي: الشارح رحمه اللَّه تعالى- حيث عدَّ التوكل والرضا من التطوعات الباطنة، وغفل عن كلام الأكابر من الأئمة: أنهما من الفرائض العينية المتعينة على كل أحدٍ من سالكي الطريق الأخروية. اهـ "مدابغي"
(٥) سنن أبي داوود (٣٥٢٧) عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي اللَّه عنه.
(٦) مسند الإمام أحمد (٣/ ٤٣٠) عن سيدنا عمرو بن الجموح رضي اللَّه عنه.
(٧) قوله: (وفتح ثالثه) فيه مسامحةٌ من وجهين: الأول: تعبيره بالفتح مع أن الكلام في الإعراب؛ فالمناسب النصب، والثاني: تعبيره بالثالث مع أن الباء المفتوحة رابعةُ الحروف؛ لأن الحرف المشدد بحرفين. اهـ "مدابغي"

<<  <   >  >>