للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأن القصد حصول الابتداء بأي ذكرٍ كان؛ على أنه حقيقيٌّ يحصل بالبسملة، وإضافيٌّ يحصل بما بعدها من الحمدلة:

(باسم اللَّه) أي: أبتدئ تاليفي متلبسًا أو مستعينًا باللَّه تعالى أو باسمه، واللَّه: علم على الذات الواجب الوجود لذاته، المستحق لجميع الكمالات، وهو الاسم الأعظم عند أكثر أهل العلم، وعدم الاستجابة لكثيرين؛ لعدم استجماعهم لشرائط الدعاء التي من جملتها: أكل الحلال، وهو مشتقٌّ -وقيل: مرتجلٌ- من (ألِهَ) إذا تحيَّر؛ لتحيُّر الخلق في معرفته، وقيل غير ذلك، وهو أعرف المعارف.

ونقل الأستاذ أبو القاسم القشيري رحمه اللَّه تعالى أن جميع أسمائه تعالى صالحةٌ للتخلُّق بها إلا هذا؛ فإنه للتعلُّق دون التخلُّق (١)، ولم يسمَّ به غيره تعالى، قال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} أي: لا أحد تسمَّى اللَّه غيره، وهذا من باهر معجزاته صلى اللَّه عليه وسلم، فهو كإخباره بأن اليهود لا يتمنَّون الموت، وبأن أحدًا لا يمكنه الإتيان بمثل أقصر سورةٍ من القرآن، فلم يتجاسر أحدٌ على واحدةٍ من هذه الثلاثة مع كثرة أعداء الدين وتعنُّتهم، وشدة حرصهم على تكذيبه صلى اللَّه عليه وسلم في إخباره.

(الرحمن) أي: البالغ في الرحمة والإنعام، ومن ثَمَّ لم يسمَّ به غيره تعالى، وتسمية أهل اليمامة مُسيلِمة الكذاب لعنه اللَّه تعالى به من التعنُّت في الكفر. ويجوز صرفه وعدمه.

(الرحيم) أي: ذي الرحمة الكثيرة، فالرحمن أبلغ منه كان صح في الحديث: "يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما" (٢)؛ لزيادة بنائه الدالة غالبًا على زيادة المعنى، والاستدلال على الأبلغيَّة بقولهم: (يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيم


(١) يعني بعدم صحة التخلُّق بالجلالة: عدم صحة اتصاف الإنسان بالألوهية وإن صح التعلُّق بها؛ بمعنى تعلق عباد الباري تعالى بالتوسل به، فمعنى التعلق: التوسل. (محمد طاهر) اهـ هامش (غ).
(٢) قطعة من حديث أخرجه الحاكم في "المستدرك" (١/ ٥١٥) عن أم المؤمنين سيدتنا عائشة رضي اللَّه عنها، والطبراني في "الكبير" (٢٠/ ١٥٤) عن سيدنا معاذ رضي اللَّه عنه، ولفظه عند الحاكم: "لو كان على أحدكم جبلًا من ذهب دينًا فدعا بذلك. . لقضاه اللَّه عنه: اللهم؛ فارج الهم، كاشف الغم، مجيب دعوة المضطرين، رحمن الدنيا والآخرة، ورحيمهما أنت ترحمني، فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك. . . ".

<<  <   >  >>