للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(وواضحات البراهين) أي: البراهين الواضحة التي لا إشكال فيها، جمع برهانٍ؛ وهو لغة: الحجة، واصطلاحًا: ما تركَّب من مقدمتين متى سلمنا (١). . لزمهما لذاتهما قول ثالث؛ كالعالَم متغير، وكل متغيرٍ حادثٌ، ينتج: العالم حادث، على ما هو مقررٌ في محله من كتب الميزان (٢).

(أحمده) أي: أصفه بجميع صفاته الجميلة، وذكر الحمد مرتين؛ للجمع بين نوعيه الواقع في مقابلة صفاته تعالى، والواقع في مقابلة نعمه التي من جملتها التوفيق لهذا التأليف، وهذا الثاني هو الشكر كما، قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}، وخص الأول بالجملة الاسمية الدالة على الثبوت والاستمرار، والثاني بالفعلية الدالة على التجدُّد والتعاقب؛ لقدم الصفات واستمرارها، وتجدد النِّعم وتعاقبها، وفي الأبلغ من الحمدينِ كلامٌ بينته في شرحي "الألفية" و"الإرشاد" (٣).

(على جميع نعمه) جمع نعمة؛ وهي: بين العيش وخِصْبه (٤)، أو الشيء المُنعَم به؛ إذ كثيرًا ما يأتي (فِعْل) بمعنى المفعول، كالذِّبْح والنِّقْض والرِّعْي والطِّحْن (٥)، ومع ذلك لا ينقاس، وقال الفخر الرازي: (هي المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير، وقيل: لا بد من تقييد المنفعة بالحسنة؛ لأنه لا يستحق الشكر إلا بها، والحق عدم اعتبار هذا القيد؛ لجواز أن يستحق الشكر بالإحسان وإن كان فعله محذورًا (٦)؛ لأن جهة استحقاق الشكر غير جهة استحقاق الذم، ولهذا


(١) في بعض النسخ: (من قضيتين)، وفي بعضها: (من تصديقين متى سلما).
(٢) أي: كتب المنطق.
(٣) انظر "فتح الجواد شرح الإرشاد" (١/ ٩).
(٤) الخِصب -بكسر الخاء-: ضد الجدب، وفي بعض النسخ: (وخفضه) وهما بمعنًى.
(٥) بمعنى المذبوح والمنقوض والمرعي والمطحون، قال تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} أي: مذبوح.
(٦) قوله: (لجواز أن يستحق الثمكر بالإحسان) أي: بالتصدُّق مما في يده مثلًا وإن كان فعله -أي: فعل ذلك الأحسان والتصدق- محذورًا وحرامًا، لكون ذلك المتصدَّق به مسروقًا أو مغصوبًا، أو مما لا بد منه لنفسه. . . إلى غير ذلك، فالتصدق وإن كان في نفسه إحسانًا إلا أن فعله بمثل المال المسروق حرامٌ، فيتصور استحقاق الشكر بفعل ذلك مع كونه غيرَ حسنٍ، ويترتب عليه الذم؛ لتغاير جهتَي الشكر والذم، هذا واللَّه تعالى أعلم. (محمد علي الجوخي) اهـ هامش (غ).

<<  <   >  >>