للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنه لا يقع فيما أخبر به خُلف، وإلَّا. . لم يأذن له عقله الذي هو أكمل العقول بالقطع في شيءٍ أنه لا يكون وهو يكون.

ثم وجوه إعجاز القرآن لا تنحصر:

فمنها: إيجازه وبلاغته، ومن ثَم لمَّا سمع أعرابيٌّ قوله تعالى: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ}. . سجد، وقال: (سجدت لفصاحة هذا الكلام!) (١).

ولمَّا سمع الأصمعي من جارية خماسيّةٍ أو سداسيّةٍ فصاحةً (٢)، فعجب منها. . فقالت: (أَوَ يُعدُّ هذا فصاحةً بعد قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} الآيةَ؛! فجمع فيها بين أمرين، ونهيين، وخبرين، وبِشارتين) (٣).

وقد قال بعض بطارقة الروم لما أسلم لعمر: (إن آية: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ} جمعت ما أُنزل، على عيسى عليه الصلاة والسلام من أحوال الدنيا والآخرة) (٤).

ومنها: خروجه عن جنس كلام العرب نظمًا ونثرًا، وخُطبًا وشعرًا، ورجزًا وسجعًا، فلا يدخل في شيء منها مع كون ألفاظه وحروفه من جنس كلامهم؛ ومن ثَمَّ لم يهتدوا لمثله حتى يأتوا به.

ومنها: أن قارئه لا يمله، وسامعه لا يمجُّه، بل لا يزال مع تكريره وترديده غضًّا طريًا، تتزايد حلاوته، وتتعاظم محبته، يُؤنَس به في الخلوات، ويُستراح بتلاوته من


(١) ذكر ذلك الإمام الصالحي رحمه اللَّه تعالى في "سبل الهدى والرشاد" (٩/ ٥٧٨)، والحافظ السيوطي رحمه اللَّه تعالى في "الإتقان في علوم القرآن" (٢/ ٨١٣).
(٢) قوله: (من جارية خماسية أو سداسية) في "المصباح": قولهم: غلام خماسي ورباعي، معناه: طوله خمسة أشبار أو أربعة أشبار، قال الأزهري: وإنما يقال: خماسي أو رباعي فيمن يزداد طولًا، ويقال في الرقيق والوصائف: سداسي أيضًا، وفي الثوب: سباعي؛ أي: طوله سبعة أشبار. اهـ هامش (غ)
(٣) ذكر القصة الإمام الصالحي رحمه اللَّه تعالى في "سبل الهدى والرشاد" (٩/ ٥٧٨). وقوله: (فجمع فبها بين أمرين) وهما: أرضعيه وألقيه (نهيينِ) وهما: لا تخافي ولا تحزني، (وخبربن) وهما: أوحينا، و: فإذا خفت، (وبشارتين) وهما: إنا رادوه إليك، وجاعلوه من المرسلين. اهـ "مدابغي"
(٤) ذكره الإمام القرطبي رحمه اللَّه تعالى في "تفسيره" (١٢/ ٢٩٥) مفصلًا، وفيه: (إني قرأت التوراة والزبور والإنجيل وكثيرًا من كتب الأنبياء، فسمعت أسيرًا يقرأ آية من القرآن جمع فيها كل ما في الكتب المتقدمة، فعلمت أنه من عند اللَّه فأسلمت) ثم ذكر الآية.

<<  <   >  >>