منا فقد أمرنا بالقيام به، أراد منا حمل الدعوة إلى الكفار وإن كان يعلم أنهم لن يؤمنوا وأراد منا قتال الكفار وقتال البغاة وإن كان يعلم أننا سنهزم أمامهم. وأراد منا أن نكون دولة واحدة ولو في الأرض كلها وإن كان يعلم أن المسلمين سيكونون دولاً متعددة، وإن البقعة الصغيرة ستكون عدة دول. وأراد منا أن نكون أشداء على الكفار رحماء بيننا، وإن كان يعلم أن بأسننا بيننا سيكون شديداً.
قال عليه الصلاة والسلام:(سألت الله ثلاثا: فأجابني باثنتين، ولم يجبني في الثالثة: سألته أن لا يهلك أمتي بالطاعون فأجابني، وسألته أن لا يهلك أمتي بالسنين - القحط - فأجابني، وسألته أن لا يجعل بأس أمتي بينها شديداً فلم يجبني) .
فالله حين يأمرنا بشيء لا يعني إنه لم يقدر علينا ضده، وحين ينهانا عن شيء لا يعني إنه لم يكتب علينا خلافه، فنحن لسنا مأمورين بما قدره لنا أو كتبه علينا، وإنما مأمورون بتنفيذ ما يأمرنا به، بغض النظر عما هو مقدر لنا ومكتوب علينا.
والغيبيات هي الاستسلام لما نزعم أنه مقدر علينا ومكتوب لنا، وعدم القيام بما أمرنا به من الله. ذلك أن الاستسلام أسهل من تنفيذ الأوامر، والمرء بطبيعته يختار الأسهل الأهون على الأشد الأصعب.