إن الله أمرنا بالإيمان بالقدر خيره وشره، ولكنه لم يعلمنا بما قدره لنا وكتبه علينا. بل أمرنا بأوامر ظاهرة ونهانا عن نواه معينة، أعلمنا بها، وبينها لنا، فخلط الإيمان بما أمرنا أن نؤمن به، بالأوامر التي أمرنا بتنفيذها، هو الذي يلبس علينا وجه العمل وكيفية السير.
لذلك كان هذا الخلط هو الذي تتسرب إلينا منه الغيبيات، وهو الذي يسهل اتخاذ هذه الغيبيات تكئة لاختيار الأسهل الأهون على الأشق الأصعب. لذلك كان هذا الخلط هو الذي يأتي منه خطر الاستسلام، وخطر القعود عن الأعمال.
صحيح أن الله هو الفعال لما يريد، الخالق لكل شيء، ولكن الله جعل لهذا الكون نواميس يسير عليها وجعل للأشياء قوانين تتشكل بحسبها وتتحول أو تبقى وفق هذه القوانين.
وهو وإن كان قادراً على خرق هذه النواميس، وتلك القوانين، ولكنه لا يخرقها إلا لنبي، ولا ينقضها إلا لرسول.
فالإيمان بأن الله قادر على نصر المؤمنين على الكافرين، لا يعني إنه سينصر المؤمنين وهم لا يأخذون بأسباب النصر، لأن النصر بدون الأخذ بأسبابه مستحيل، وقدرة الله لا تتعلق بالمستحيل، فكون الله قادر على الشيء لا يعني أن الفرد أو الجماعة أو الأمة قادرة عليه.
فقدرة الله هي صفة خاصة به، وقدرة العبد خاصة به، ولا علاقة لها