قال ابن كثير -رحمه الله- في تفسير هذه الآية:(هذا بيان لإعجاز القرآن، وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله، ولا بعشر سور ولا بسورة من مثله، لأنه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته واشتماله على المعاني الغزيرة النافعة في الدنيا والآخرة، لا يكون إلا من عند الله، الذي لا يشبهه شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وأقواله، فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين؛ ولهذا قال تعالى: (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله (أي مثل هذا القرآن لا يكون إلا من عند الله، ولا يشبه هذا كلام البشر (ولكن تصديق الذي بين يديه (أي من الكتب المتقدمة، ومهيمنا عليه ومبينا لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل، وقوله: (وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين (أي وبيان الأحكام والحلال والحرام بيانا شافيا كافيا، حقا لا مرية فيه من الله رب العالمين، كما في حديث الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب: (فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وفصل ما بينكم) أي خبر عما سلف وعما سيأتي وحكم فيما بين الناس بالشرع الذي يحبه الله ويرضاه) (١) .
(لقد علم الناس أجمعون - علماً لا يخالطه شك - أن هذا الكتاب العزيز جاء على لسان رجل عربي أمي، ولد بمكة في القرن السادس الميلادي، اسمه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله.. هذا القدر لا خلاف فيه بين مؤمن وملحد؛ لأن شهادة التاريخ المتواتر به لا يماثلها ولا يدانيها شهادته لكتاب غيره ولا لحادث غيره ظهر على وجه الأرض.
أما بعد؛ فمن أين جاء به محمد بن عبد الله (؟
أَمنْ عند نفسه ومن وحي ضميره، أم من معلم؟ ومَن هو ذلك المعلم؟