للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك مسخ من مسخ قردة وخنازير لمخالفتهم لأنبيائهم، وكذلك من خسف به وأرسل عليه الحجارة من السماء، وأغرقه في اليم، وأرسل عليه الصيحة وأخذه بأنواع العقوبات، وإنما ذلك بسبب مخالفتهم للرسل وإعراضهم عما جاءوا به واتخاذهم أولياء من دونه، وهذه سنته سبحانه فيمن خالف رسله وأعرض عما جاءوا به، واتبع غير سبيلهم، ولهذا أبقى الله سبحانه آثار المكذبين لنعتبر بها ونتعظ؛ لئلا نفعل كما فعلوا فيصيبنا ما أصابهم، كما قال تعالى: (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون (وقال تعالى: (ثم دمرنا الآخرين وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون (أي تمرون عليهم نهارا بالصباح وبالليل، وهذا كثير في الكتاب العزيز يخبر الله سبحانه عن إهلاك المخالفين للرسل، ونجاة اتباع المرسلين؛ ولهذا يذكر سبحانه فى سورة الشعراء قصة موسى وإبراهيم ونوح وعاد وثمود ولوط وشعيب، ويذكر لكل نبي إهلاكه لمكذبيهم والنجاة لهم ولأتباعهم، ثم يختم القصة بقوله (إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم (فختم القصة باسمين من أسمائه تقتضيها تلك الصفة وهو العزيز الرحيم، فانتقم من أعدائه بعزته، وأنجى رسله واتباعهم برحمته.

والرسالة ضرورية في إصلاح العبد في معاشه ومعاده، فكما أنه لا صلاح له في آخرته إلا باتباع الرسالة؛ فكذلك لا صلاح له في معاشه ودنياه إلا باتباع الرسالة؛ فإن الإنسان مضطر إلى الشرع، فإنه بين حركتين حركة يجلب بها ما ينفعه، وحركة يدفع بها ما يضره، والشرع هو النور الذي يبين ما ينفعه وما يضره، والشرع نور الله في أرضه، وعدله بين عباده وحصنه الذي من دخله كان آمنا، وليس المراد بالشرع التمييز بين الضار والنافع بالحس، فإن ذلك يحصل للحيوانات العجم، فإن الحمار والجمل يميز بين الشعير والتراب، بل التمييز بين الأفعال التي تضر فاعلها في معاشه ومعاده، كنفع الإيمان، والتوحيد، والعدل، والبر، والتصدق، والإحسان، والأمانة، والعفة، والشجاعة، والحلم، والصبر، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وصلة الأرحام، وبر الوالدين، والإحسان إلى

<<  <   >  >>