(ب) فيما يتصل بطيران الهدهد من الشام إلي اليمن، ثم الرجوع إلى الشام، فالذي ورد في القرآن الكريم عنه قوله تعالى:{فمكث غير بعيد..}[النمل: ٢٢] ، وليس في القرآن الكريم تحديد أن الهدهد مكث " لحظة " كما يقول هؤلاء، ولا يفهم من " غير بعيد " في سياقها إلا مدة تكفي للطيران، وقد قرئت على صفحاء العرب من المشركين في عصر الرسالة - وهم أعلم باللغة، وكانوا يعرفون اليمن والشام - فما أثاروا - فيما علمنا - هذا الاعتراض، فعلم منه أن التعبير القرآني يخلوا عن دواعي اعتراض هؤلاء الملاحدة.
(ج) أنا كيف خفي على سليمان حال مملكة سبأ - فإن القرآن الكريم لم يصفه بأنه كان يعرف الغيب، وقد كان هذا غيبا بالنسبة إليه، وليس فيما وصف القرآن الكريم به سليمان عليه السلام إلا تسخير الرياح والشياطين وتعليم منطق الطير وإيتاء الملك الذي لا ينبغي لأحد بعده، لكن ليس فيه شيء من وصفه بعلم غير ما علمه الله له، فما العجب في أن تكون في الأرض أشياء وممالك كان سليمان - مع عظمة ما أعطاه الله له - يجهلها؟ إن القرآن الكريم لا يذكر شيئا عن أن سليمان - عليه السلام - كان ملك الدنيا كلها بأكملها - كما يزعم هؤلاء الطاعنون - ولعل مستندهم في هذا إنما هو بعض المبالغات الإسرائيلية التي لم يرد لها ذكر في الوحي القرآني.
أما إذا كان واحد منهم قد فهم ذلك من قوله تعالى:{وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون}[النمل: ١٦] ، فهو لا يعرف شيئاً عن أساليب البيان العربية، لأن (من) هنا للتبعيض، وليس المعني أن كل الأنس - دون استثناء - كانوا تحت ملكه.