للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل الذي جر الطاعنين إلي طعنهم ما ذكروه هم من أنه كان تحت راية ملكة سبأ اثنا عشر الف ملك تحت راية كل منهم مائة ألف ‍!

وليس في نصوص القرآن الكريم شيء من هذا مطلقاً، والعدد الذي ذكروه يجاوز بكثير جداً ما يمكن أن يكون موجوداً عندئذ من عدد السكان، وهو يذكرنا بما نقده ابن خلدون من مبالغات المؤرخين القدماء، وما حذر منه (فيكو) من غرور الأمم حين تكتب تارخها - فكيف تحمل هذه المبالغات على نصوص القرآن الكريم التي لم تعرض لها إطلاقاً؟

فلا عجب إذن أن يجهل سليمان - عليه السلام - أمر ملكة سباً مع كل ما أعطاه الله له، لأنه لم يعطه علم كل ما في الأرض، ولم تكن هناك اتصالات منتظمة بين المالك بحيث تعرف كل منها الأخرى، وتتصل بها على النحو الذي نعهده في عصرنا والذي حدث بعد ذلك بحكم التطور العمراني، ولم تكن الجن التي سخرت لسليمان - عليه السلام - أيضاً تعرف الغيب كما ورد في قوله تعالي: {فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} [سبأ: ١٤] .

(د) أما من أين حصل للهدهد معرفة الله تعالى ووجوب السجود له وإنكار سجودهم للشمس وإضافته إلي الشيطان وتزيينه؟ فإنما كان الهدهد من جند سليمان عليه السلام، والآيات تتكلم عن أمر (غيبي) لا يقاس على معرفة البشر الآن بأحوال الطير، وما المانع من أن تكون فطرة كافة المخلوقات عارفة بوجوب السجود لله تعالى وحده، وقد جاء في القرآن الكريم شاهداً بذلك قوله تعالى: (اولم يروا إلي ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله وهم داخرون ولله يسجد ما في

<<  <   >  >>