للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

واضحة الدلالة من كلامه بأن ترتيب السور توقيفي منه-صلى الله عليه وسلم-

[المطلب الثاني: ذكر جملة من أقوال العلماء المعاصرين]

وقد رجح جمع من المعاصرين القول بالتوقيف كذلك، وهم على سبيل المثال لا الحصر على نحو التالي:

"جاء في التفسير الوسيط: ترتيب السور على ما جاء في المصحف الشريف بأمر الله عز وجل (١).

١ - قال صاحب التفسير الوسيط:

والذي تميل إليه النفس أن ترتيب السور توقيفي، وأن كل سورة لها موضوعاتها التي نراها بارزة بصورة تميزها عن غيرها (٢).

٢ - وقال وَهْبَة بن مصطفى الزُّحَيْلِيّ (ت: ١٤٣٦ هـ):

ولا خلاف بين العلماء في أن ترتيب آيات السور توقيفي منقول ثابت عن النّبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، كما أن ترتيب السور أيضًا توقيفي على الراجح (٣).

وممن قال به كذلك من المعاصرين محمد عبد الله دراز، أحمد شاكر.

[المبحث الخامس: أبرز الأدلة التي استدل بها بعض العلماء على توقيف الترتيب المصحفي]

وفيه أربعة مطالب:

[المطلب الأول: الدليل الأول: إجماع الصحابة-رضي الله عنهم- على ترتيب السور في المصحف العثماني]

ومن أبرز ما استدل به بعض هؤلاء على توقيف الترتيب المصحفي ما يلي:

إذ لو كان هذا الترتيب ترتيبًا اجتهاديًا لما أجمعوا عليه ولتمسكوا بمصاحفهم ولما قدموها للحرق، ولما اجتمعوا على المصحف الإمام

ولقد" قام عثمان بن عفان- رضي الله عنه- بإحراق المصاحف التي وقع فيها الاختلاف، وأبقى لهم المتفَق عليه، كما ثبت في العَرْضة الأخيرة". (٤)

وقد ثبت عند البخاري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه-، أن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه- قدم على عثمان - رضي الله عنه-، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفةَ اختلافُهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرِكْ هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلافَ اليهود والنصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة: أنْ أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف، ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت، وعبدالله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن، فاكتبوه بلسان قريش؛ فإنما نزل بلسانهم- يعني ابتداءً-، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف، رد عثمان الصحف إلى حفصة، وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. (٥) (٦)


(١) - مجمع البحوث (١٠/ ٢٠٤٣).
(٢) التفسير الوسيط لـ محمد سيد طنطاوي (ت: ١٤٣١ هـ): (٦/ ٩)، وهذا التفسير تارة ينسب لـ"طنطاوي"، وتارة أخرى ينسب لمجموعة من العلماء بإشراف مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، كما هو الحال في طبعة: الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية الطبعة: الأولى، (١٣٩٣ هـ = ١٩٧٣ م) - (١٤١٤ هـ = ١٩٩٣ م) عدد المجلدات: ١٠
(٣) - التفسير المنير للزحيلي (١/ ٢٣). يُنظر: الموسوعة الفقهية الكويتية: ١٤/ ١٨١. وينظر: ترتيب آيات وسور القرآن الكريم-الدكتور محمد أبو زيد عن موقعه. بتصرف
(٤) البداية والنهاية: لابن كثير: (٧/ ١٧٨).
(٥) رواه البخاري، حديث: (٤٩٨٧).
(٦) - قال عمر بن علي بن أحمد الشافعي، المعروف بابن الملقن: (ت: ٨٠٤ هـ)
معنى (يغازي) يغزو، وإرمينية: بكسر أوله، وفتحه ابن السمعاني، وتخفف ياؤها وتشدد كما قاله ياقوت، وقال صاحبا "المطالع": بالتخفيف لا غير. وقال أبو عبيد: بلد معروف سميت بكون الأرمن فيها، وهي أمة كالروم، وقيل: سميت بأرمون بن لمطي بن يومن بن يافث بن نوح. قال أبو الفرج: ومن ضم الهمزة غلط، قال: وبكسرها قرأته عَلَى أبي منصور اللغوي؛ وقال: هو اسم أعجمي، وأقيمت -كما قال الرشاطي- سنة أربع وعشرين في خلافة عثمان على يد سليمان بن ربيعة الباهلي. قال: وأهلها بنو الرومي بن إرم بن سام بن نوح.
وأذربيجان - بفتح أوله بالقصر والمد، وبفتح الباء وكسرها، وكسر الهمزة أيضًا، حكاه ابن مكي في "تنقيبه"- بلد بالجبال من بلاد العراق يلي كور إرمينينة من جهة المغرب. وقال أبو إسحاق البحيري: الفصيح ذربيجان. وقال الجواليقي: الهمزة في أولها أصلية، لأن أذر مضموم إليه الآخر. يُنظر: التوضيح لشرح الجامع الصحيح: (٢٤/ ٢٠ - ٢٥).

<<  <   >  >>