للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كلامه هنا-عفى الله عنه- بتقرير عقيدته في صفات الرب- جل في علاه- قائلًا:

ولقد نبهنا في مناسبات سابقة على ما ينطوي من تعبيرات: يد الله، وجه الله، سمع الله، وما ينبغي أن يفهم من التقريرات القرآنية وسنة السلف الصالح، وقد عزا ذلك لتفسير سورة القصص. (١)

يقول سماحة شيخنا الإمام ابن باز (ت: ١٤٢٠ هـ) -رحمه الله-:

هذه الآية عند أهل السنة والجماعة تدل على أمرين:

الأمر الأول: إثبات اليد لله سبحانه وتعالى، وأنه سبحانه موصوفٌ باليد، كما قال جلَّ وعلا: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ) (ص: ٧٥)، وقال سبحانه: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) (المائدة: ٦٤)، وهذا بإجماع أهل السنة والجماعة ثابتٌ لله تعالى، صفة اليد لله ثابتةٌ عند أهل السنة والجماعة بالنصِّ وبالإجماع.

والأمر الثاني: أنه سبحانه يقرّ هذه البيعة ويرضاها، وأن يد رسوله- صلى الله عليه وسلم - قائمةٌ مقام يده سبحانه في إنفاذ هذه البيعة، (يد الله فوق أيديهم)، والمراد بهذا إثبات أن يد الرسول صلى الله عليه وسلم قائمةٌ مقام يد الله في إثبات هذه البيعة.

ففيه إثبات اليدين جميعًا: يد الله سبحانه التي هي قائمةٌ به سبحانه، وهو فوق العرش، فوق جميع الخلق، ويد الرسول التي بايعتهم بأمر الله وشرع الله ورضاه. (٢)

المثال الثاني: تأويه لصفة مجيء الرب جل في علاه عند تفسيره لقوله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (الفجر: ٢٢)

قال دروزة- عفى الله عنه-:

" … والمتبادر أن هذا مع وجوب الإيمان به وكونه في النص من قدرة الله ومع وجوب تنزيه الله عز وجل من مفهوم المجيء والرواح والوقوف والجلوس وغير ذلك من أفعال الخلق وصفاتهم قد استهدف التأثير بالسامعين لأنهم بخطورة المشهد القضائي الأخروي العظيم، قد اعتادوا في الدنيا عقد مجالس قضائية لمحاكمة المجرمين وعقوباتهم. وقد يكون الشأن في هذا هو مثل وصف الجنة والنار بأوصاف اعتادها الناس في الدنيا للتقريب والتمثيل والتأثير في السامعين على ما شرحناه قبل … ". (٣)

ولا شك أن هذا التأويل الواضح لصفات الرب جل في علاه يجلى عقيدته فيها، وأنه سلك مسلك أهل التأويل من الأشاعرة ومن نحى نحوهم، وقد خالف بذلك عقيدة أهل السنة والجماعة في إثبات صفات الرب جل وعز على الحقيقة على الوجه الذي يليق بذاته- سبحانه-، بلا تأويل ولا تعطيل ولا تشبيه ولا تكيف ولا تمثيل، كما قال ربنا: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ((الشورى: ١١)


(١) - يُنظر: التفسير الحديث لـ " دروزة": (١/ ٥٩١).
(٢) - يُنظر: مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز: (٢٤/ ٢٧٣). مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله المؤلف: عبد العزيز بن عبد الله بن باز (المتوفى: ١٤٢٠ هـ) أشرف على جمعه وطبعه: محمد بن سعد الشويعر عدد الأجزاء: ٣٠ جزءًا.
(٣) - التفسير الحديث: (١/ ٥٤٥).

<<  <   >  >>