للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي نحو ذلك يقول الإمام أبو جعفر الطحاوي (ت ٣٢١ هـ) - رحمه الله-:

ولا نكفِّر أحدًا من أهل القبلة بذنب ما لم يستحلَّه. (١)

وقد نصَّ على هذه القاعدة غير واحدٍ من أئمة أهل السُّنَّة والجماعة ومن أشهر من قال بها الإمام الطحاوي.

ويحكي شيخ الإسلام إجماع أهل السنة وحكمها على الفرق الوعيدية الثِّنتين والسبعين المخالِفة لهم فيقول ـ رحمه الله-:

وأجمع الصحابةُ وسائرُ أئمَّةِ المسلمين على أنه ليس كلُّ من قال قولًا أخطأ فيه أنه يكفر بذلك وإنْ كان قولُه مخالفًا للسُّنَّة، فتكفيرُ كلِّ مخطِئٍ خلافُ الإجماع. (٢)

ويؤكد ـ رحمه الله ـ تقرير هذا الأصل الأصيل عند أهل السُّنَّة فيقول:

وأمَّا التكفير: فالصواب أنه مَنْ اجتهد مِنْ أمَّة محمَّدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم وقَصَدَ الحقَّ فأخطأ؛ لم يكفر بل يُغْفَر له خطؤه، ومن تبيَّن له ما جاء به الرسولُ، فشاقَّ الرسولَ من بعد ما تبيَّن له الهدى، واتَّبع غيرَ سبيل المؤمنين؛ فهو كافرٌ، ومن اتَّبع هواه، وقصَّر في طلب الحقِّ، وتكلَّم بلا علمٍ؛ فهو عاصٍ مُذنبٌ، ثمَّ قد يكون فاسقًا وقد تكون له حسناتٌ ترجح على سيِّئاته. (٣)

ذلك لأن تلك الفرق المخالفة لأهل السُّنَّة لها حُكم الإسلام في دار الدنيا، وأما في الدار الآخرة فإنها داخلة تحت المشيئة، فإن شاء الله عاملها برحمته وعفوه فلم يعذبها، وإن شاء عاملها بعدله فعذَّبها، ثمَّ يصير بعد ذلك مآلُها إلى الجنَّة.

وفرق الوعيدية الثنتين والسبعين هم من أهل الإسلام أصلًا وإن أتوا ما أتوا من الكبائر دون الشرك الأكبر المخرج من الملة.

وأما من أتى الشرك الأكبر من تلك الفِرَق، فلا شك في أنها تخرج عن الفِرَق الوعيدية ولا تُعَدُّ من جملتها، بل هي خارجةٌ عنها وعن الإسلام بالكلية، وبهذا ينضبط القول في الحكم على تلك الفِرَق الوعيدية.

وديار أهل السُّنة عند الرافضة هي ديار " التَّقيّة ":

ويقولون في ذلك: … والتَّقيّة في دار التَّقيّة (ديار أهل السُّنَّة) واجبة. (٤)

ويسمون دولة (أهل السُّنَّة)، بـ" دولة الظالمين"، ويقولون في ذلك:

التَّقيّة فريضة واجبة علينا في دولة الظالمين (أي دولة لأهل السُّنَّة)، فمن تركها فقد خالف دين الإمامية وفارقه. (٥)

ويسمون دولة (أهل السُّنَّة)، بـ"دولة الباطل"، ويقولون في ذلك:

من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يتكلم في دولة الباطل (أي دولة لأهل السُّنَّة)، إلا بالتَّقيّة. (٦)

ويطلقون على لـ (أهل السُّنَّة)، لقبـ " سفلة الرعية "، ويقولون في ذلك:

ليس منا من لم يلزم التَّقيّة، ويصوننا عن سفلة الرعية (أهل السُّنَّة). (٧)

ولقد بوَّب الحر العاملي بابًا في "وسائله" عنونه بـ: "باب وجوب عشرة


(١) - متن الطحاوية بتعليق الألباني: (ص: ٦٠).
(٢) - مجموع الفتاوى: (٧/ ٦٨٥).
(٣) - المصدر السابق (١٢/ ١٨٠).
(٤) - جامع الأخبار: (ص ١١٠)، بحار الأنوار: (٧٥/ ٤١١).
(٥) - جامع الأخبار: (ص ١١٠)، بحار الأنوار: (٧٥/ ٤١٢).
(٦) جامع الأخبار: (ص ١١٠)، بحار الأنوار: (٧٥/ ٤١٢).
(٧) أمالي الطوسي: ١/ ٢٨٧، بحار الأنوار: ٧٢/ ٣٩٥.

<<  <   >  >>