كل المخلوقات، وكل صنف من المخلوقات أمة من الأمم:{وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ}(الأنعام: ٣٨).
النحلة تخرج العسل والسم، الحية فيها السم وفيها الترياق، ويستفيد أهل الصيدلة جدًّا من سمها ومن ترياقها أيضًا، الهدهد الذي تكلم في:{أَلاَّ يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}(النمل: ٢٥) النملة التي قالت: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ}(النمل: ١٨) كل هذه المخلوقات التي تبحث لنفسها عن مأوى عن مهرب، بمجرد أن ترى الخطر أو حتى تلمحه ولو من بعيد، حين يرى حيوانٌ ضعيف حيوانًا مفترسًا فإنه يهرع بالفرار وبالهروب حتى لا يتعرض لأذاه، ما الذي حرك كل ذلك؟ هذه المخلوقات بالفطرة، فاستبعاد أن يدرك الذباب أن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء، رددنا عليها بالمخلوقات نفسها، ولم نذكر عشرات، وأعتقد أن كل واحدًا يعني يرى ذلك جيدًا جدًّا في كل الحيوانات المحيطة به.
ائتِ أي حيوان مثلًا وألقي به في النار، واترك له الحرية في أن يبتعد عنها، قطعًا لن يدخل، كيف عرف هذا؟ هل هناك عقل كما يقولون؟ هذا أمر فطري فطره الله عليه، لماذا يفر الفأر حين يرى القط مثلًا؟ ولماذا يهرب القط حين يرى الكلب؟ أسئلة تبين في وضوح وجلاء أن الفطرة عرفت الذباب هذا الأمر، ثم إن الذي خلق فيه الدواء والداء هو الذي ألهمه بذلك، لماذا نستبعد هذا:{وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا مما في بطونه من بين فرث ودمًا لبنًا خالصًا}(النحل: ٦٦)، سبحان الله! استبعدت أن يلتقي الترياق مع الداء في كائن واحد ها هو القرآن يتحدث:{مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِين}(النحل: ٦٦) دم وفرث وكلاهما متعب يخرج من بينهم شراب خالص سائغ للشاربين، وهو اللبن الطيب الذي نشربه بفضل الله -عز وجل- نعلمه جميعًا.