إذن، أي عقل يستبعد أن يدرك الذباب هذا الأمر، وقد ضربنا له أمثلة كثيرة.
إذن، هذا ليس مخالفًا للعقل، إنما الأدلة عليه أتكلم من ناحية إدراك الذباب لما فيه من أمور الخلق، وأنه ينزل بالجناح الذي فيه الداء ليتقيَ ثم علينا أن نغمسه.
ننتقل إلى رد آخر: الحديث هل فيه أمر بضرورة فعل ذلك؟
لم يفهم أحدٌ من العلماء أبدًا بالقول بوجوب ذلك، وهم يشرحون الحديث، وأنا هنا أحيل على شرّاح الحديث من كتب السنة، في (فتح الباري) وفي غيره من كتب شروح البخاري وشروح السنة كلها، ومن كتب الطب التي تعرضت له ومن غيرها -غيرها كثير- أحيل عليها؛ لأبين أن أحدًا من علماء الأمة لم يقل بالوجوب، ماذا يعني هذا الكلام في الرد عليهم؟ يعني: إذا طابت نفسك بالاستفادة من هذا المشروب أو السائل الذي في الإناء، إذا وقع فيه الذباب فافعل ذلك، وإن لم تفعل فاطرحه، إذا لم تقبل، فاطرحه، لكن لا تعترض على الحديث، لمجرد أنك تستبعده أو تستغربه.
وقد ضربنا له الصلة بما يشابهه وبما هو أقوى، بما لا يقل عنه في الغرابة إذا أردت أن نستغرب، لكن في ليس في الاستحالة، واستدللنا بالقرآن، هم في السنة يجترءون ويقولون: هذا حديث آحاد وربما أخطأ الراوي، وما إلى ذلك، فماذا سيقولون في القرآن:{مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَآئِغًا لِلشَّارِبِين}، وحينما أثبت الإدراك للهدهد وللنملة وللسماء والأرض:{ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين}(فصلت: ١١).
هذه أدلة كثيرة تدل على الإدراك عند هذه المخلوقات، الإدراك الذي خلقه الله تعالى بما يريد وكيف يريد بالفطرة، وليس شرطًا أن تكون لها عقول كما يتوهم الواهمون، حتى تدرك هذه الأشياء.