سأنتقل إلى سورة النور، وبها أيضًا مجموعة من الآيات، وسياقات تحرك القلب المؤمن تجاه هذه القضية، يحدثنا الله -تبارك وتعالى- كما حدثنا في سورة النساء يحدثنا عن قوم قالوا: إنهم آمنوا بالله والرسول، وأطعنا أيضًا، يعني: لم نؤمن فقط إنما قالوا: أمنا وأطعنا، ويقولون: آمنا بالله وبالرسول وأطعنا. ما موقفهم بعد ذلك؟ هذا القول الذي يقتضي التسليم، والإذعان، والخضوع لكل ما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يقولون: آمنا بالله وبالرسول وأطعنا، لم نؤمن بالله فقط، وإنما أمنا بالرسول، ولم يتوقف أمرنا عند الإيمان فقط، وبل وأطعنا، امتثلنا وأجبنا.
{ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}(النور: ٤٧) أعرضوا وابتعدوا، رغم قولهم: آمنا بالله وبالرسول، بماذا تسميهم يا رب؟ {وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ}(النور: ٤٧)، نفى الله عنهم الإيمان، كما وسمهم في سورة النساء:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا}(النساء: ٦١)، سماهم في النساء بالمنافقين، وسماهم في النور، أو نفى عنهم في النور الإيمان، رغم قولهم في السورتين بأنهم قد آمنوا، آمنوا بما أنزل على الرسول -صلى الله عليه وسلم-، هذا القول لم يشفع لهم حين لم ينهض بهم عملهم؛ لأن قضية الإيمان ليست قضية كلام، نعم ننطق بلسانها، وتعتقد قلوبنا، ثم يصدق كل ذلك، أو الجوارح تصدق كل ذلك، أو تكذبه، فالتطبيق العلمي هو الاختبار الحقيقي لمن يزعم الإيمان، أو من يدعي الإيمان، بل إن الفرق بين المؤمن القوي والمؤمن الضعيف إنما هو في استجابة كل منهم للإيمان، فالمؤمن القوي أكثر التزامًا واستجابة لكل أوامر الشرع ونواهيه، ولا يتفلت منه إلا القليل جدًّا، أما الآخر فأحيانا وأحيانا.