ونصل إلى مسك الختام في الآيات التي تحث على الطاعة، وقد تركنا غيرها كثيرًا يعني: في التي لا يكاد يذكر البعض سواها، هي قول الله -تبارك وتعالى- في سورة الحشر:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(الحشر: ٧)، الآية التي استدل بها ابن مسعود -رضي الله عنه- في الحديث الصحيح المشهور المروي عند البخاري ومسلم حين قال:((لعن الله النامصات والمتنمصات، والواشمات والمستوشمات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله)). ابن مسعود يلعن المرأة النامصة والمتنصمة التي ترقق حواجبها، والتي تضع وشما على وجهها أو على يديها أو على جبهتها كعلامة للتجميل والتزيين، وتظهر بها أمام الناس ليس لزوجها فحسب، والتي تفلج أسنانها، تبردها بمبرد، أو ما شاكل ذلك، وتجعلها متساوية .... الخ، علامات التجميل التي يعرفها يعلمها الذين يفعلون ذلك لعنهم عبد الله بن مسعود، والحديث ورد موصولًا، مرفوعا، وهو صحيح.
المرأة لما سمعت عبد الله بن مسعود يلعن قالت: وما لك تلعن؟ يعني: أنت لست تشرع. هي تسأله يعني: هل يوجد أو يملك واحد غير الله تعالى، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أن يلعن أو أن يشرع؟ ما لك تلعن، ولعنك هذا كأنه تشريع؟ لأنك تلعن من فعل كذا وكذا، فقال لها: وما لي لا ألعن من لعنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو في كتاب الله؟ فقالت المرأة: والله لقد قرأت ما بين الدفتين، أو ما بين اللوحين تقصد: أنها قرأت المصحف كاملًا، فلم تجد لعن الله النامصة؛ هي تبحث عن هذا الحديث، وكأنها فهمت أن عبد الله بن مسعود يقصد أنه موجود بنصه وفصه في كتاب الله، فقالت: والله لقد قرأت ما بين اللوحين، أو ما بين دفتيه -تقصد: المصحف من أوله إلى آخره- فلم أجد هذا. قال لها: أما إن كنت قرأتيه فقد وجدتيه، ألم تقرئي قول الله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الر َّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}(الحشر: ٧)، أمر من الله تعالى بأن كل ما يأمرنا به نقول: سمعنا وأطعنا، وأن كل ما ينهانا عنه نجتنبه في طاعة أيضًا مطلقة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-.