أسلوب القصر معروف عند البلاغيين، هو قصر شيء على شيء، ونفيه عمن عاداه، إذا قلت أنا مثلًا: محمد فاهم. هذه الجملة أثبتت الفهم لمحمد، لكنها لم تنفه عن غيره، فنقول: محمد فاهم وغيره أيضًا فاهم، لكن إذا أردت استعمالًا يثبت الفهم لمحمد، وينفيه عما سوى محمد، فلا بد أن آتي بالكلام في أحد أساليب القصر.
القصر أو الحصر كما قلنا: إثبات شيء لشيء، لو قلت في تعريفه إثبات شيء لشيء، وسكت، فهذا ليس بحصر أو ليس بقصر، كل إثبات شيء لشيء يدخل في هذا التعريف، لكن أنا أريد أن أصف شيئًا ما، أو أمرًا ما أو رجلًا ما، أو أي شيء واحد قابل للوصف أصفه بصفة توجد فيه، ولا توجد عند غيره. أنا أريد أن أقول أن هذا الشيء ليس موجودًا عند غيره، فأستعمل أسلوب القصر.
أسلوب القصر له أساليب متعددة، يعني كيف آتي بالكلام في أسلوب القصر؟ عن طريق تقديم ما حقه التأخير، يعني أن يأتي المبتدأ مثلًا متأخرًا، والخبر أولًا، ترتيب الجملة نحويًّا أن يأتي المبتدأ أولًا ثم يأتي الخبر ثانيًا، أو أن يأتي المفعول مقدمًا على الفعل والفاعل، أو أن يأتي الفاعل مقدمًا على الفعل، كل هذه من أساليب القصر.
إذا لم يكن المانع الذي يمنع من ترتيب الجملة نحويًّا مانعًا آخر فإنها حينئذ تفيد القصر، مثلًا حين يقول الله تعالى:{وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}(الجاثية: ٣٧) أصل الجملة: الكبرياء له. الكبرياء: مبتدأ. وله: جر ومجرور متعلق بمحذوف خبر، لو قلت أنا: الكبرياء له. من الممكن أن يقول قائل: ولغيره أيضًا. لكننا أردنا أن نحصر صفة الكبرياء لله -عز وجل- وأن نقصرها عليه -جل في علاه- فقال القرآن:{وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ} أي أن صفة الكبرياء مقصورة على الله -عز وجل- ولا يحق لأحد من الخلق أن يتخلق بها أو أن يتصف بها، وإلا نازع الله تعالى في صفة من أخص صفاته التي لا يجوز لأحد من خلقه أن يتصف بها.