في قوله تعالى فيما نقرأه كل يوم عدة مرات في سورة الفاتحة:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ}(الفاتحة: ٥) إياك: ضمير مفعول مقدم. والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن، ونعبد الفعل. وأصل الجمل نعبدك. لو قلنا: نعبدك. يقول قائل: ونعبد غيرك، فأراد الله -عز وجل- أن ينفي هذا المعنى، فأتى بالآية في أسلوب القصر.
أرجو أن يكون معنى القصر وضح من خلال هذه الأمثلة، كيف نقصر كما قلت عن طريق تقديم ما حقه التأخير، عن طريق أسلوب النفي والاستثناء الذي هو معنا الآن: لا فاهم إلا محمد، لا إله إلا الله، {إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِير}(فاطر: ٢٣){إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}(الشورى: ٤٨) هذه كلها أساليب قصر عن طريق النفي والاستثناء.
تقديم ما حقه التأخير، والنفي والاستثناء، أيضًا "إنما" إذا تقدمت الجملة تفيد القصر ((إنما الأعمال بالنيات)) أي الأعمال مقصورة على نياتها، لا عمل يقبل من غير نية، إنما الفاهم محمد، حصرت الفهم فيه.
وأيضًا من طرق إثبات القصر الجملة معرفة الطرفين يعني أن يكون المبتدأ والخبر كلاهما معرفة "الفاهم محمد" إذا أعربناها ممكن أن نقول: الفاهم: مبتدأ. ومحمد: خبر. إذن هذه جملة معرفة الطرفين، بعكس ما لو قلنا محمد فاهم. الخبر هنا نكرة، فلا تفيد القصر.
أنا لا أشرح أسلوب القصر لأنه في مادة البلاغة موضوع يدرس، إنما أنا الآن أوضح وأقرب المعنى لكي تتضح دلالة آية النجم على أن كل ما ينطق به النبي -صلى الله عليه وسل م- وحي {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ} يعني: قصر الله تعالى ما ينطق به النبي -صلى الله عليه وسل م- على كونه وحيًا، فلا يوجد في كلامه أبدًا شيء غير وحي، هذا معنى القصر {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} لم يقل مثلًا هذا وحي يوحى، قد يقول هذا وحي عن بعض كلامه، وبعض كلامه ليس وحيًا، لا، {إِنْ هُوَ} ما دام قلنا إن الضمير في هو يعود على كل ما ينطق به النبي -صلى الله عليه وسل م- أي كل ما نطق به مقصور على كونه وحيًا من عند الله، فهو لا يقول شيئًا غير الوحي.