للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[باب مناقب أبي ذر]

٢٣٨١ - عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، قَالَ:

«خَرَجْنَا مِنْ قَوْمِنَا غِفَارٍ أَنَا وَأَخِي أُنَيْسٌ وَأُمُّنَا، وَكَانُوا يُحِلُّونَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا عَلَى خَالٍ لَنَا، ذِي مَالٍ وَذِي هَيْئَةٍ طَيِّبَةٍ، قَالَ: فَأَكْرَمَنَا خَالُنَا وَأَحْسَنَ إِلَيْنَا، فَحَسَدَنَا قَوْمُهُ، فَقَالُوا: إِنَّك إِذَا خَرَجْتَ مِنْ أَهْلِكَ خَالَفَ إِلَيْهِمْ أُنَيْسٌ، قَالَ: فَجَاءَ خَالُنَا فَنَثَا عَلَيْنَا مَا قِيلَ لَهُ، قَالَ: قُلْتُ: أَمَّا مَا مَضَى مِنْ مَعْرُوفِكَ فَقَدْ كَدَّرْتَهُ، وَلَا جِمَاعَ لَكَ فِيمَا بَعْدُ، قَالَ: فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا فَاحْتَمَلْنَا عَلَيْهَا، قَالَ: وَغَطَّى رَأْسَهُ فَجَعَلَ يَبْكِي، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا حَتَّى نَزَلْنَا بِحَضْرَةِ مَكَّةَ، قَالَ: فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا، قَالَ: فَأَتَيَا الْكَاهِنَ فَخَيَّرَ أُنَيْسًا، قَالَ: فَأَتَانَا أُنَيْسٌ بِصِرْمَتِنَا وَمِثْلِهَا مَعَهَا، قَالَ: وَقَدْ صَلَّيْتُ يَا ابْنَ أَخِي قَبْلَ أَنْ أَلْقَى رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم، بِثَلَاثِ سِنِينَ، قَالَ: قُلْتُ: لِمَنْ؟ قَالَ: لِلَّهِ، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ كُنْتَ تُوَجَّهُ؟ قَالَ: حَيْثُ وَجَّهَنِي اللهُ، أُصَلِّي عِشَاءً، حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرَ اللَّيْلِ أُلْقِيتُ كَأَنِّي خِفَاءٌ، حَتَّى تَعْلُونِي الشَّمْسُ، قَالَ: قَالَ أُنَيْسٌ: لِي حَاجَةٌ بِمَكَّةَ فَاكْفِنِي حَتَّى آتِيَكَ، قَالَ: فَانْطَلَقَ فَرَاثَ عَلَيَّ، ثُمَّ أَتَانِي، فَقُلْتُ: مَا حَبَسَكَ؟ قَالَ: لَقِيتُ رَجُلًا بِمَكَّةَ عَلَى دِينِكَ، يَزْعُمُ أَنَّ اللهَ أَرْسَلَهُ، قَالَ: قُلْتُ: فَمَا يَقُولُ النَّاسُ لَهُ؟ قَالَ: يَزْعُمُونَ أَنَّهُ سَاحِرٌ، وَأَنَّهُ كَاهِنٌ، وَأَنَّهُ شَاعِرٌ، قَالَ أُنَيْسٌ: فَوَاللهِ لَقَدْ سَمِعْتُ قَوْلَ الْكَهَنَةِ فَمَا هُوَ بِقَوْلِهِمْ، وَلَقَدْ وَضَعْتُ قَوْلَهُ عَلَى أَقْرَاءِ الشِّعْرِ فَلَا يَلْتَئِمُ عَلَى لِسَانِ أَحَدٍ أَنَّهُ شِعْرٌ، وَاللهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، وَكَانَ أُنَيْسٌ شَاعِرًا، قَالَ: قُلْتُ: اكْفِنِي أَذْهَبُ فَأَنْظُرُ، قَالَ: نَعَمْ، وَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ عَلَى حَذَرٍ فَإِنَّهُمْ قَدْ شَنَّفُوا لَهُ، وَتَجَهَّمُوا لَهُ، قَالَ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى قَدِمْتَ مَكَّةَ، قَالَ: فَتَضَيَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ، قَالَ: قُلْتُ: أَيْنَ هَذَا الَّذِي تَدْعُونَهُ الصَّابِئَ؟ قَالَ: فَأَشَارَ إِلَيَّ، قَالَ: الصَّابِئَ، قَالَ: فَمَالَ عَلَيَّ أَهْلُ الْوَادِي بِكُلِّ مَدَرَةٍ وَعَظْمٍ، حَتَّى خَرَرْتُ مَغْشِيًّا عَلَيَّ، قَالَ: فَارْتَفَعْتُ حِينَ ارْتَفَعْتُ وَكَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ زَمْزَمَ فَغَسَلْتُ عَنِّي الدِّمَاءَ وَشَرِبْتُ مِنْ مَائِهَا، قَالَ: فَبَيْنَمَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ، إِضْحِيَانٍ إِذْ ضَرَبَ اللهُ عَلَى أَصْمِخَتِهِمْ، قَالَ: فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرَ امْرَأَتَيْنِ، قَالَ: فَأَتَتَا عَلَيَّ وَهُمَا يَدْعُوَانِ إِسَافًا وَنَائِلَةَ، قُلْتُ: أَنْكِحَا أَحَدَهُمَا الأُخْرَى، قَالَ: فَمَا ثَنَاهُمَا ذَلِكَ عَنْ قَوْلِهِمَا، قَالَ: فَأَتَتَا عَلَيَّ، فَقُلْتُ: هَنٌ مِثْلُ الْخَشَبَةِ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَكْنِ، قَالَ: فَانْطَلَقَتَا تُوَلْوِلَانِ، وَتَقُولَانِ: لَوْ كَانَ هَاهُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا، قَالَ: فَاسْتَقْبَلَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم، وَأَبو بَكْرٍ وَهُمَا هَابِطَانِ مِنَ الْجَبَلِ، قَالَ: مَا لَكُمَا؟ قَالَتَا: الصَّابِئُ بَيْنَ الْكَعْبَةِ وَأَسْتَارِهَا، قَالَا: مَا قَالَ لَكُمَا؟ قَالَتَا: قَالَ لَنَا كَلِمَةً تَمْلَأُ الْفَمَ، قَالَ: وَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم حَتَّى انْتَهَى إِلَى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ هُوَ وَصَاحِبُهُ، قَالَ: وَطَافَ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ صَلَّى صَلَاتَهُ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ حِينَ قَضَى صَلَاتَهُ، قَالَ: فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلَامِ، قَالَ: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ، مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ غِفَارٍ، قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ نَحْوَ رَأْسِهِ، قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي كَرِهَ أَنِّي انْتَمَيْتُ إِلَى غِفَارٍ، قَالَ: فَذَهَبْتُ آخُذُ بِيَدِهِ، قَالَ: فَقَدَعَنِي صَاحِبُهُ، وَكَانَ أَعْلَمَ بِهِ مِنِّي، فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَتَى كُنْتَ هَاهُنَا؟ قَالَ: قُلْتُ: قَدْ كُنْتُ هَاهُنَا مُنْذُ عَشْرٍ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، قَالَ: فَمَنْ كَانَ يُطْعِمُكَ؟ قَالَ: قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ غَيْرُ مَاءِ زَمْزَمَ، فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سُخْفَةَ جُوعٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم: إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ، إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ، قَالَ: فَقَالَ صَاحِبُهُ: ائْذَنْ لِي فِي إِطْعَامِهِ اللَّيْلَةَ، فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم وَأَبو بَكْرٍ، فَانْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، قَالَ: فَفَتَحَ أَبو بَكْرٍ بَابًا، فَقَبَضَ لِي مِنْ زَبِيبِ الطَّائِفِ، قَالَ: فَذَاكَ أَوَّلُ طَعَامٍ أَكَلْتُهُ بِهَا، قَالَ: فَلَبِثْتُ مَا لَبِثْتُ، أَوْ غَبَّرْتُ، ثُمَّ لَقِيتُ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم: إِنِّي قَدْ وُجِّهْتُ إِلَى أَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ، وَلَا أَحْسِبُهَا إِلَّا يَثْرِبَ، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغٌ عَنِّي قَوْمَكَ، لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَنْفَعَهُمْ بِكَ، وَأَنْ يَأْجُرَكَ فِيهِمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَانْطَلَقْتُ حَتَّى أَتَيْتُ أُنَيْسًا، فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: صَنَعْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ، قَالَ أُنَيْسٌ: وَمَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكَ، إِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ، قَالَ: فَأَتَيْنَا أُمَّنَا، فَقَالَتْ: مَا بِي رَغْبَةٌ عَنْ دِينِكُمَا، فَإِنِّي قَدْ أَسْلَمْتُ وَصَدَّقْتُ، قَالَ: فَاحْتَمَلْنَا حَتَّى أَتَيْنَا قَوْمَنَا غِفَارًا، قَالَ: فَأَسْلَمَ بَعْضُهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْدَمَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم الْمَدِينَةَ، قَالَ: وَكَانَ يَؤُمُّهُمْ إِيمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ، وَكَانَ سَيِّدَهُمْ، قَالَ: وَقَالَ بَقِيَّتُهُمْ إِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم أَسْلَمْنَا، قَالَ: فَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم الْمَدِينَةَ، فَأَسْلَمَ بَقِيَّتُهُمْ، قَالَ: وَجَاءَتْ أَسْلَمُ، فَقَالُوا: إِخْوَانُنَا نُسْلِمُ عَلَى الَّذِي أَسْلَمُوا عَلَيْهِ، قَالَ: فَأَسْلَمُوا، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى الله عَليه وسَلم: غِفَارُ غَفَرَ اللهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللهُ» (١) .

• وفي رواية (٢) : «عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ أَبو ذَرٍّ: يَا ابْنَ أَخِي، صَلَّيْتُ سَنَتَيْنِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلى الله عَليه وسَلم، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ كُنْتَ تَوَجَّهُ؟ قَالَ: حَيْثُ وَجَّهَنِيَ اللهُ ... وَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ بِنَحْوِ حَدِيثِ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ: فَتَنَافَرَا إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْكُهَّانِ، قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ أَخِي أُنَيْسٌ يَمْدَحُهُ حَتَّى غَلَبَهُ، قَالَ: فَأَخَذْنَا صِرْمَتَهُ فَضَمَمْنَاهَا إِلَى صِرْمَتِنَا، وَقَالَ أَيْضًا فِي حَدِيثِهِ: قَالَ: فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلى الله عَليه وسَلم، فَطَافَ بِالْبَيْتِ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ، قَالَ: فَإِنِّي لأَوَّلُ النَّاسِ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الإِسْلَامِ، قَالَ: قُلْتُ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ، مَنْ أَنْتَ؟ وَفِي حَدِيثِهِ أَيْضًا: فَقَالَ: مُنْذُ كَمْ أَنْتَ هَاهُنَا؟ قَالَ: قُلْتُ: مُنْذُ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَفِيهِ: فَقَالَ أَبو بَكْرٍ: أَلْحِقْنِي بِضِيَافَتِهِ اللَّيْلَةَ» (٣) .


(١) اللفظ لابن أبي شيبة (٣٧٧٥٣) قال: حدثنا أبو أسامة، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة، قال: حدثنا حميد بن هلال، قال: حدثنا عبد الله بن الصامت، به.
(٢) اللفظ لمسلم ٧/ ١٥٥ (٦٤٤٤) قال: حدثنا محمد بن المثنى العنزي، حدثني ابن أبي عَدي، قال: أنبأنا ابن عون، عن حميد بن هلال، عن عبد الله بن الصامت، به.
(٣) أخرجه أَبو بكر بن أبي شيبة، وأحمد، والدارِمي، والبخاري في «الأَدب المُفرد»، ومسلم، والنَّسَائي.

<<  <  ج: ص:  >  >>