للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الوحشة التي بين العاصي وبين الناس، ولاسيما أهل الخير منهم؛ فإنه يجد وحشة بينه وبينهم، وكلّما قويت تلك الوحشة بَعُد منهم ومن مجالستهم، وحُرم بركة الانتفاع بهم، وقرب من حزب الشيطان، بقدر ما بَعُدَ من حزب الرحمن، وتقوى هذه الوحشة حتى تستحكم فتقع بينه وبين امرأته وولده وأقاربه، وبينه وبين نفسه فتراه مستوحشاً بنفسه، قال بعض السلف: ((إني لأعصي الله فأرى ذلك في خلقِ دابتي وامرأتي)) (١)، وقال الفضيل بين عياض رحمه الله: ((إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق حماري وخادمي)) (٢).

وسر المسألة أن الطاعة توجب القرب من الربِّ سبحانه، فكلّما قوي القرب قوي الأنس، والمعصية توجب البعد من الربّ، وكلما ازداد البعد قويت الوحشة، والوحشة سببها الحجاب، وكلما غلظ الحجاب زادت الوحشة، فالغفلة تُوجب الوحشة، وأشد منها وحشة المعصية، وأشد منها وحشة الشرك والكفر، ولا تجد أحداً ملابساً شيئاً من ذلك إلا ويعلوه من الوحشة بحسب ما لابسه منه، فتعلو الوحشة وجهه، وقلبه، فيستوحِشُ، ويُستوحشُ منه (٣).

٤ - الظلمة في القلب؛ فإن العاصي يجد ظلمة في قلبه حقيقة يُحسّ بها كما يُحسّ بظلمة الليل البهيم، فتصير ظلمة المعصية لقلبه كالظلمة الحسِّية


(١) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، لابن القيم، ص١٠٥، ١٤٤.
(٢) حلية الأولياء، لأبي نعيم، ٨/ ١٠٩.
(٣) انظر: الجواب الكافي، لابن القيم، ص١٤٤.

<<  <   >  >>