للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن الهوى كانت الجنة مأواه، فكذا يكون قلبه في هذا الدار في جنة عاجلة لا يشبه نعيم أهلها نعيماً البتة، ولا تحسبن أن قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} (١) مقصور على نعيم الآخرة وجحيمها فقط، بل في دورهم الثلاثة: دار الدنيا، والبرزخ، والقرار، فهؤلاء في نعيم، وهؤلاء في جحيم، وهل النعيم إلا نعيم القلب، وهل العذاب إلا عذاب القلب؟ ولهذا قال بعض الصالحين: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة. ويقول آخر: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف (٢).

١٦ - المعاصي تُصغّر النفوس، وتقمعها، وتدسِّيها، وتحقِّرها حتى تصير أصغر شيء وأحقره، كما أن الطاعة تنميها وتزكيها، وتكبِّرها، قال الله - عز وجل -: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} (٣)، والمعنى قد أفلح من كبَّرها وأعلاها بطاعة الله، وأظهرها، وقد خاب وخسر من أخفاها، وحقَّرها وصغَّرها بمعصية الله، فالطاعة تُكبر النفوس وتُعزّها وتُعليها حتى تصير أشرف شيء وأكبره وأزكاه وأعلاه، فما كبَّر النفوس وشرّفها، ورفعها، وأعزّها مثل طاعة الله، وما صغّر النفوس وأذلّها، وحقّرها مثل معصية الله - عز وجل - (٤).

١٧ - خسف القلب ومسخه، وعلامة خسف القلب أنه لا يزال


(١) سورة الانفطار، الآيتان: ١٣ - ١٤.
(٢) الجواب الكافي، لابن القيم، ص١٤٧.
(٣) سورة الشمس، الآيتان: ٩ - ١٠.
(٤) انظر: الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، ص١٤٩.

<<  <   >  >>