وأضرب لَهُم مثلا آخر مَيْل بعض الْمُسلمين فِي مصر وَالتّرْك إِلَى التعاليم الاشتراكية بل قيامهم بتأليف الْأَحْزَاب لَهَا والدعوة إِلَيْهَا، سَوَاء كَانَ ذَلِك افتناناً بتقليد الفرنجة أَو شعوراً بِمَا يشْعر بِهِ الاشتراكيون فِي أوربة من تَأْثِير أَثَرَة أَرْبَاب الْأَمْوَال على الْعمَّال، وَغَيرهم من أهل الإملاق، لَو كَانَت الشَّرِيعَة الإسلامية نَافِذَة الْأَحْكَام وَهِي الْهِدَايَة الَّتِي يتبعهَا الْخَواص والعوام، لما شعر بِالْحَاجةِ إِلَى التعاليم الاشتراكية أحد من أَهلهَا، بل لرأي الاشتراكيون من الْأُمَم الْأُخْرَى أَنه يجب حل الْمَسْأَلَة الاجتماعية على ضوئها، ولكان ذَلِك سَببا لاهتداء كثير مِنْهُم إِلَى الْإِسْلَام ودعوتهم إِلَيْهِ.
وَمَالِي لَا أذكر من الْمثل فِي هَذَا الْمقَام دَعْوَة كثير من النِّسَاء وَالرِّجَال فِي مثل هَذِه الْبِلَاد إِلَى تربية الْمَرْأَة تربية استقلالية تَسَاوِي بهَا الرجل فِي كل شَيْء حَتَّى لَا يكون فِيمَا عَلَيْهَا فِي شَيْء، سبق الْإِسْلَام جَمِيع الْملَل إِلَى الْمُسَاوَاة بَين الرِّجَال وَالنِّسَاء فِي الشئون الزَّوْجِيَّة إِلَّا هَذِه الدرجَة بقوله تَعَالَى:{ولهن مِثلُ الَّذِي عَلَيْهِم بِالْمَعْرُوفِ وللرجال عَلَيْهِنَّ دَرجة} وَهِي الرياسة الَّتِي بَينهَا فِي قَوْله: {الرِّجَال قَوَّامون على النِّسَاء بِمَا فضّل الله بَعضهم على بعض وَبِمَا أَنْفقُوا من أَمْوَالهم} فَجعل سَببهَا تَفْضِيلهمْ عَلَيْهِنَّ بِالْقُوَّةِ على الْكسْب والحماية والدفاع، وَمَا فرض لَهُنَّ عَلَيْهِم من الْمهْر وَالنَّفقَة. أَفَرَأَيْت لَو أَن أَفْرَاد الْمُسلمين وحكامهم أَقَامُوا هَذِه الشَّرِيعَة فساوى الرِّجَال النِّسَاء بأنفهسم فِي كل شَيْء ماعدا رياسة الْمنزل وَكَذَا الرياسة الْعَامَّة كالإمامة الْعُظْمَى وإمامة الصَّلَاة، وكرموهن كَمَا أوصاهم الرَّسُول [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] أَكَانَت النِّسَاء تشعر بِالْحَاجةِ إِلَى إعداد أَنْفسهنَّ للكسب وَغَيره من أَعمال الرِّجَال الشاقة؟ أم يفضلن أَن يعشن فِي هناء وراحة يتمتعن من كسب الرِّجَال فِي ظلّ كفاتهم وكفالة الشَّرِيعَة الَّتِي تنفذها حكومتهم بِمَا لَا يتمتع بِهِ الرِّجَال أنفسهم؟ فَإِن الْمَرْأَة تَأْكُل من كسب الرجل مَا يَأْكُل وَهِي الْمُدبرَة لأمر مأكله، وَلكنهَا تفضله بِمَا تلبس من الْحلَل وَمَا تتزين بِهِ من الحلى، فَإِن كَانَ ثمَّ غبن فالرجل هُوَ المغبون.