إِن حُكُومَة الْخلَافَة إسلامية مَدَنِيَّة قَائِمَة على أساس الْعدْل والمساواة إِلَّا أَن لغير الْمُسلمين فِيهَا من الْحُرِّيَّة الشخصية مَا لَيْسَ للمرتد وَالْمُنَافِق من الْمُسلمين، فَهَؤُلَاءِ يُرِيدُونَ أَن يكون الْإِسْلَام رابطة جنسية أدبية حرَّة بِحَيْثُ يكون لَهُم فِي حكومته جَمِيع حُقُوق الْمُسلمين الشَّرْعِيَّة والعرفية والقانونية، وَإِن صَرَّحُوا بِأَنَّهُم لَا يدينون الله بِالْإِيمَان بعقيدته، وَلَا بِإِقَامَة أَرْكَانه وشعائره، وهم يعلمُونَ أَن الْحُكُومَة الإسلامية لَا تعطيهم شَيْئا من ذَلِك، حَتَّى إِن الْمَرْأَة إذاعلمت من زَوجهَا أَنه ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام حرم عَلَيْهَا أَن تقيم مَعَه وتستمر فِي عصمته، وَأَحْكَام الْمُرْتَدين مَعْرُوفَة فَأَمرهمْ أغْلظ من أَمر الوثنيين، دع الكتابيين الَّذين تحل ذَبَائِحهم والتزوج بالمحصنات من نِسَائِهِم، وَلَا تعاقب الْحُكُومَة الإسلامية غير الْمُسلمين على شَيْء يحل لَهُم فِي دينهم - وَإِن لم يكن حَلَالا فِي الْإِسْلَام - إِلَّا مَا فِيهِ إِيذَاء لغَيرهم، بل لَا تحاسبهم على أَعْمَالهم الشخصية الَّتِي لَا تضر الْمُسلمين وَلَا غَيرهم من رعيتها وَإِن خَالَفت دينهم، وَلكنهَا تحاسب الْمُسلمين وتعاقبهم على الْمعاصِي بالحدود وأنواع التَّعْزِير كالتوبيخ وَالْحَبْس وَذَلِكَ أَن من أصُول الْإِسْلَام حفظ الْآدَاب والفضائل وَمنع الْفَوَاحِش والمنكرات. وَقد وصف الله الْمُسلمين بقوله:{الَّذين إِن مكناهم فِي الأَرْض أَقَامُوا الصَّلَاة وَآتوا الزَّكَاة وَأمرُوا بِالْمَعْرُوفِ ونَهْوا على الْمُنكر} وَقَالَ فيهم: {كُنْتُم خَيرَ أمة أخرجت للنَّاس تأمرون بِالْمَعْرُوفِ وتنْهون عَن الْمُنكر} وَأَحْكَام الرِّدَّة والحسبة فِي الْإِسْلَام مَعْرُوفَة.
فَعلم بِهَذَا أَن ملاحدة الْمُسلمين وفساقهم المستهترين أَجْدَر أَن يَكُونُوا أَشد كَرَاهَة لإِقَامَة أَحْكَام الشَّرِيعَة من غير الْمُسلمين لِأَنَّهَا تكلفهم مَا لَا تكلّف غَيرهم وتواخذهم بِمَا لَا تؤاخذه بِهِ. وَقد اقترح بعض هَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَة على جمَاعَة المؤتمر السوري الْعَام الَّذِي عقد فِي دمشق أَن يقرروا جعل الْحُكُومَة السورية غير دينية، وَلَا أذكر أَن أحدا من الْأَعْضَاء النَّصَارَى وَافق على الاقتراح بل صرح بَعضهم برده كأكثر الْمُسلمين. واقترح فِي ذَلِك المؤتمر أَن تقيد مَادَّة الْحُرِّيَّة الشخصية من القانون الأساسي بِقَيْد عدم الْإِخْلَال بالآداب الْعَامَّة، فَرد هَذَا الاقتراح بعض هَؤُلَاءِ الموصوفين بِالْمُسْلِمين وَصرح بَعضهم بتعليل الرَّد بِأَنَّهُ يَتَرَتَّب عَلَيْهِ أَن يجوز للشرطة منع الرجل من الْجُلُوس مَعَ الْمَرْأَة فِي ملهى من الملاهي أَو مقهى من المقاهي الْعَامَّة لمعاقرة الْخمر (؟ ؟) وَقد كن رد هَذَا الاقتراح أقبح خزي صدر من ذَلِك المؤتمر،