للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجامعة الإسلامية بِكُل معنى من مَعَانِيهَا، وتحريضهم جَمِيع الأوربيين وَجَمِيع النَّصَارَى عَلَيْهَا وعَلى من يتَصَدَّى لَهَا، وتخويف الْمُسلمين مِنْهَا. .

وَلَقَد كن من إرهاب أوربة للشعوب الإسلامية وحكوماتها أَن جَعلتهَا تخَاف وتحذر كل مَا يكرههُ الأوربيون مِنْهَا وَتظهر الرَّغْبَة فِي كل مَا يدعونها إِلَيْهِ، وجروا على ذَلِك حَتَّى صَار الكثيرون مِنْهُم يَعْتَقِدُونَ أَن مَا يستحسنه لَهُم هَؤُلَاءِ الطامعون فيهم هُوَ الْحسن، وَمَا يستقبحونه مِنْهُم هُوَ الْقَبِيح، إِذْ تربوا على ذَلِك، وَلم يَجدوا أحدا يبين لَهُم الْحَقَائِق، وَكَانَ هَذَا عونا لَهُم على سلب اسْتِقْلَال هَؤُلَاءِ المخدوعين والمرهبين فِي بعض الْبِلَاد، وَغَلَبَة نفوذهم على نُفُوذ الْحُكُومَة فِي بِلَاد أُخْرَى كمصر والدولة العثمانية، واستحوذ الْجُبْن والخور على رجال الحكومات فِي هَذِه الْبِلَاد حَتَّى إِن أَرْكَان الدولة العثمانية لم يتجرءوا على الْإِذْن لنا بإنشاء مدرسة إسلامية فِي عاصمتها باسم (دَار الدعْوَة والإرشاد) كَمَا تقدم، وَلم يَكُونُوا كلهم يجهلون مَا ذكرت، بل قَالَ لي شيخ الْإِسْلَام حسني أَفَنْدِي رَحمَه الله تَعَالَى: إِن عندنَا قَاعِدَة مطردَة فِي الإفرنج هِيَ أَن كل مَا يرغبوننا فِيهِ فَهُوَ ضار بِنَا، وكل مَا ينفروننا مِنْهُ فَهُوَ نَافِع لنا. . وَإِنَّمَا هُوَ جبن بعض الرؤساء وَفَسَاد عقائد بعض. . وَمَا الْجُبْن إِلَّا غشاوة من الْوَهم على عين البصيرة انقشعت عَن ترك الأناضول، فَرَأَوْا أَنهم بعد انكسارهم فِي الْحَرْب الْعَامَّة، وفقدهم لتِلْك الممالك الواسعة، أعز وَأقوى مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ مُنْذُ مِائَتي سنة، إِذْ كَانَت الْبِلَاد فِيهَا تنتقص من أطرافها، ونفوذ الْأَجَانِب فِي عَاصِمَة الدولة فَوق نُفُوذ خليفتها وسلطانها. .

لهَذَا السَّبَب ينوط الرَّجَاء بحكومة الأناضول أُلُوف الألوف من الْمُسلمين أَن تحيي منصب الْخلَافَة، وتجدد بِهِ مجد الْإِسْلَام وشريعته الغراء الَّتِي يرجي أَن يَتَجَدَّد بإحيائها مجد الإنسانية، وَيدخل الْبشر فِي عصر جَدِيد ينجون بِهِ من مفاسد المدنية المادية، الَّتِي تهدد الْعمرَان الأوروبي نَفسه بالزوال، بله عمرَان الشرق. .

أَنا لَا أتصور أَن يكون الرعب من مُعَارضَة دوَل أوربة الاستعمارية هُوَ الَّذِي يمْنَع التّرْك من إِقَامَة الْخلَافَة الإسلامية. . فَإِن هَذَا شكل حكومتنا، وَمُقْتَضى ديننَا وطالما صرحت هَذِه الدول بعد الْحَرْب بِأَنَّهَا لَا تفتات على الْمُسلمين فِي أَمر الْخلَافَة، وَأما الجامعة الإسلامية الَّتِي يخافونها فَهِيَ مَسْأَلَة أُخْرَى. . وَلكُل دولة لَهَا رعايا من الْمُسلمين أَن تسوسهم بالطريقة الَّتِي ترَاهَا أحفظ لمصلحتها، نعم لن يكون الإفرنج

<<  <   >  >>