هم الَّذين يمْنَعُونَ إِقَامَة الْخلَافَة، وَلَكِن الَّذِي يخْشَى أَن يمْنَعهَا إِنَّمَا هم المتفرنجون دون غَيرهم وَقد شرحنا ذَلِك من قبل.
من الْمَعْقُول فِي السياسة أَن يطعن المستعمرون للبلاد الإسلامية فِي جَامِعَة دينية يظنون أَنَّهَا قد تُفْضِي إِلَى انْتِقَاض أهل هَذِه الْبِلَاد عَلَيْهِم، وَيَخَافُونَ أَن تكون الْخلَافَة الْحق سَببا لتحَقّق هَذِه الجامعة، وَأَن يطعنوا فِي الشَّرِيعَة الإسلامية وينفروا الْمُسلمين مِنْهَا لأجل ذَلِك، كَمَا يطعن فِيهَا دعاة النَّصْرَانِيَّة لهَذِهِ الْعلَّة وللطمع فِي تنصير الْمُسلمين، وَهَذَا الْخَوْف من إِقَامَة الْخلَافَة يكون على أشده إِذا كَانَ الْبَاعِث على إِقَامَتهَا السياسة الْمَحْضَة الَّتِي يسْتَحل اصحابها كل عمل لأجل مصلحتهم، وَقد يكون دون ذَلِك إِذا كَانَ الْبَاعِث دينيا مَحْضا وَهُوَ إِقَامَة حكم الْإِسْلَام كَمَا شَرعه الله تَعَالَى، وَلَيْسَ من شُرُوطهَا أَن يتبعهَا جَمِيع الْمُسلمين، وَنحن نعلم أَن هَذَا مُتَعَذر غير مستطاع فِي هَذَا الزَّمَان، وتكليف غير المستطاع مَمْنُوع فِي الْإِسْلَام {لَا يُكلِّف الله نفسا إِلَّا وُسْعَها} بل نَحن نرى الرَّأْي الْغَالِب فِي بعض الْبِلَاد يَأْبَى إحْيَاء الْخلَافَة حَتَّى إننا نجتهد فِي إقناع الْحُكُومَة التركية الْحَاضِرَة بِهِ ونشك فِي قبُولهَا، فَإِن زعيمها وَصَاحب النّفُوذ الْأَعْلَى فِي أقوى أحزابها يُصَرح فِي خطبه بِأَن السلطة فِي هَذِه الْحُكُومَة للْأمة الَّتِي يمثلها الْمجْلس الوطني الْكَبِير بِلَا شَرط وَلَا قيد، وَأَنه لَا يُمكن أَن يكون لشخص معِين نُفُوذ فِيهَا مهما يكن لقبه " أَي خَليفَة سمى أَو سُلْطَانا ".
وَلما أذاع الاتحاديون عزمهم على إنْشَاء مدرسة جَامِعَة إسلامية فِي الْمَدِينَة المنورة وابتداع سجل لطلاب الشَّفَاعَة النَّبَوِيَّة فِيهَا، وَقَالَت الجرائد وَغير الجرائد أَن مُرَادهم بذلك إحْيَاء الجامعة الإسلامية، كتبت مقَالَة فِي هَذَا الْمَوْضُوع نشرتها فِي المجلد السَّابِع عشر من الْمنَار (سنة ١٣٣٢) قلت فِيهَا مانصه:
" وَأما رأيى الَّذِي أنصح بِهِ الدولة، فَهُوَ أَن تصدى رجالها السياسيين لتحريك أوتار الجامعة الإسلامية يضر الدولة كثيرا وَلَا ينفعها إِلَّا قَلِيلا، ويوشك أَن تكون هَذِه الْأَقْوَال الَّتِي قيلت فِي هَذِه الْمَسْأَلَة - على قلَّة تأثيرها - من أَسبَاب مَا نرَاهُ من شدَّة تحامل أوروبة عَلَيْهَا، وأكتفي فِي هَذَا الْمقَام بِالْمثلِ الَّذِي يكرره الإِمَام الْغَزالِيّ " كن يَهُودِيّا صرفا وَإِلَّا فَلَا تلعب بِالتَّوْرَاةِ ".
" ومرادي من هَذَا أَنه يجب عَلَيْهَا أحد أَمريْن:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute