التماثيل لكبراء الرِّجَال بِعَمَل الْحُكُومَة المصرية يشبه استدلاله على صِحَة سلب السلطة من الْخَلِيفَة الْآن بسلبها من الْخُلَفَاء العباسيين، وَلَيْسَ من الدّين فِي شَيْء، فَإِن الْحُكُومَة المصرية غير مُقَيّدَة بِالشَّرْعِ فِي جَمِيع أَعمالهَا، وَلم يكن نصبها لشَيْء من هَذِه التماثيل بفتوى من عُلَمَاء الْأَزْهَر وَلَا غَيرهم، وَلَو استفتتهم لما أفتوا، لَا لِأَن نصب التماثيل محرم فِي الْإِسْلَام فَقَط، بل لِأَن فِيهِ إِضَاعَة كَثِيرَة من مَال الْأمة فِي غير مصلحَة أَيْضا، وهم لَا يقبلُونَ شُبْهَة من يدعونَ أَن نصب التماثيل للرِّجَال الْعِظَام ينْفخ فِي روح الْأمة الرَّغْبَة فِي التَّشَبُّه بهم، وَالْقِيَام بِمثل أَعْمَالهم، لأَنهم يجزمون بِأَنَّهُ لم يخْطر فِي بَال مصري قطّ أَن يكون كمحمد عَليّ باشا أَو إِبْرَاهِيم باشا أَو سُلَيْمَان باشا الفرنسي ذَوي التماثيل المنصوبة بِمصْر والإسكندرية، وَبِأَن التماثيل قد تنصب لمن يكون قدوة سَيِّئَة أَيْضا، وبأنها من تقاليد الإفرنج فِي أَمر من أُمُور زِينَة مدينتهم الَّتِي تَقْتَضِي نفقات عَظِيمَة لَا تقدم عَلَيْهَا إِلَّا الْأُمَم الغنية ذَات الثروة الواسعة، فَلَو كَانَ مُبَاحا مُطلقًا فِي شرعنا لَكَانَ الأولى بِنَا تَركه لأمرين يرجحان بِهِ (أَحدهمَا) الاقتصاد فِي المَال وَنحن لَا نزال شعوبا فقيره (وَثَانِيهمَا) تحامي التَّقْلِيد لَهُم فِيمَا هُوَ من مشخصات حضارتهم الَّتِي فتنا بهَا فَكَانَت من أَسبَاب استكبارنا لَهُم واحتقارنا لأنفسنا، وَقد نَهَانَا نَبينَا [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] عَن التَّشَبُّه بغيرنا لنكون مستقلين دونهم بل قدوة لَهُم. وَهَذِه مَسْأَلَة اجتماعية مهمة فصلنا القَوْل فِي مضارّها مرَارًا.
وَقَول مصطفى كَمَال باشا: إِن الْأمة لابد لَهَا من اتقان صناعَة نحت التماثيل يُجَاب عَنهُ بِأَن الْأمة تاركة لصناعات كَثِيرَة وَاجِبَة شرعا وَهِي كل مَا تتَوَقَّف عَلَيْهِ الْمَعيشَة وَالْقِيَام بالواجبات الذاتية كالملابس والأسلحة والطيارات والبوارج الحربية وَغير ذَلِك. فَلَا يَصح لتارك الضروريات والحاجيات القانع بِأَن يكون فيهمَا عَالَة على الْأَجَانِب أَن يهتم بِأَمْر الزِّينَة الْمَحْضَة وَلَو لم تكن ضارة فِي دين وَلَا دنيا.
وَأما مَسْأَلَة الموسيقى فَلَيْسَ لمحرميها من النُّصُوص الصَّحِيحَة مثل أَحَادِيث تَحْرِيم التَّصْوِير واتخاذ الصُّور والتماثيل، بل هِيَ مَسْأَلَة خلافية. وَقد فصلنا فِي الْمنَار القَوْل فِي أَدِلَّة الَّذين حظروا سَماع الْغناء وَالْمَعَازِف (آلَات الطَّرب) من جِهَة الرِّوَايَة وَمن جِهَة الدِّرَايَة والاستنباط وحققنا، أَن الأَصْل فِي الْمَسْأَلَة الْإِبَاحَة وَأَن الْمحرم مِنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute