للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرَّابِع: فوضت كل أَمر إِلَى أَهله ومستحقه، من غير أَن يكون فِيهِ هواي وشهوتي. الْخَامِس: كلما أمرت بالعقوبة، أمرت بالعقوبة لأجل الْأَدَب، لَا لأجل الْغَضَب. السَّادِس: حفظت قُلُوب الرّعية بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَان إِلَيْهِم، لَا بالجور والإمساك عَنْهُم. السَّابِع: حببت نَفسِي فِي قُلُوب الرّعية بالْقَوْل الصدْق، لَا بِالْكَذِبِ والتبصبص. قَالَت الْحُكَمَاء: يَنْبَغِي للسُّلْطَان والأمراء والوزراء أَلا يتخذوا الْعمَّال السوء أجنادا، وَلَا يفوضوا الْأَمر الَّذِي يتَعَلَّق بالإمارة والمملكة إِلَى الْعمَّال السوء الَّذين لَا يشفقون على الرّعية، وَلَا يوقرون أهل الْعلم وَالْفضل، وَلَا يفرقون بَين الْحَلَال وَالْحرَام، لِأَنَّهُ إِذا فوض إِلَى الْعمَّال السوء أَمر المملكة يغتر بشفقة الْملك إِلَيْهِ، ويطاول يَده إِلَى أَمْوَال الرّعية ومحارمه، لمَنْفَعَة نَفسه، وَيكون جَمِيع همته وقصده أَن يكون نَفسه فِي رَاحَة فَقَط، سَوَاء كَانَ للرعية رَاحَة أَولا، فَحِينَئِذٍ ينفتح أَبْوَاب الْفساد وَالظُّلم، ويتعذر على الْملك والوزير سد ذَلِك الْبَاب، وَدفع ضَرَر ذَلِك.

وعَلى الْحَقِيقَة مثل ضَرَر تصرف الْعمَّال السوء كَمثل الْغذَاء الَّذِي لَا نفع فِيهِ للبدن، كل يَوْم يَأْكُل الرجل مِنْهُ ذرة يحصل فِي بَاطِنه أخلاط سوء، وَيزِيد ذَلِك الأخلاط كل يَوْم فِي بَاطِنه، وبطول اللَّيَالِي وَالْأَيَّام يستحكم ذَلِك الْخَلْط، فَيظْهر أثر الْخَلْط فِي الأعصاب وَالْعُرُوق والأعضاء جَمِيعًا، فيمرض الرجل من ذَلِك، وتعجز الطبيعة عَن دفع ذَلِك، ويتغير مزاج ذَلِك الرجل، وَتذهب قوته بِالْكُلِّيَّةِ، فَيحْتَاج إِلَى الطَّبِيب الحاذق، والطبيب إِن كَانَ حاذقا لكنه يقصر فِي معالجته ويعجز عَنْهَا لِأَنَّهُ قرب إِلَى الْهَلَاك فَلَا يتَوَقَّع الشِّفَاء، والنجاة من ذَلِك الْمَرَض إِلَّا بعد المعالجة الْكَثِيرَة بطول الزَّمَان والزحمات الْكَثِيرَة، فَفِي الْحَقِيقَة أَن ضَرَر عَامل ظَالِم يَوْمًا فِي الرّعية لَا يصلحه عدل الْملك بطول الزَّمَان.

وَقَالَ الْعُقَلَاء: يجب على الْمُلُوك الرِّعَايَة على ثَلَاثَة أَشْيَاء:

<<  <   >  >>