للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأول: أَن يجْتَهد فِي عمَارَة الْولَايَة، وَلِهَذَا قَالُوا: إِن عدم عمَارَة الْولَايَة بشيئين: إِمَّا بعجز الْأَمِير أَو بالظلم فِي الرّعية. وَالثَّانِي: أَن يشفق وَيرْحَم على الرّعية ويعدل فِي الحكم بَينهم. الثَّالِث: أَلا يُعْطي الْملك الْأَمر الْعَظِيم بيد الرجل الحقير غير اللَّائِق بذلك الْأَمر، فَإِن ذَلِك سَبَب تخرب الْولَايَة.

سُئِلَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : بِأَيّ سَبَب اسْتمرّ الْملك على آل " ساسان " لمدى اربعة آلَاف سنة؟ فَقَالَ النَّبِي [صلى الله عَلَيْهِ وَسلم] : لرأفتهم بالعباد وعمارتهم فِي الْبِلَاد. وَسُئِلَ عَن بعض أهل الساسان: بِأَيّ سَبَب انْعَزل أهل الساسان عَن المملكة بعد استقرارهم على الْملك أَرْبَعَة آلَاف سنة؟ فَقَالَ: سَبَب انعزالهم أَن يفوضوا الْأُمُور الْعِظَام إِلَى يَد الرجل الحقير الذميم الَّذِي لَا يسْتَحق لذَلِك الْأَمر، فَحِينَئِذٍ ضَاعَ أَصْحَاب الرَّأْي وَالتَّدْبِير، والأكابر، وَأهل الرَّأْي، وَأهل التجربة، وَأَصْحَاب الدول، والشرفاء، وَاسْتولى على الْملك الرِّجَال الَّذين صَارَت عُقُولهمْ أسرى لهوائهم، فآل الْأَمر إِلَى أَن خرجت المملكة عَن أَيْديهم. حِكَايَة: أخبروا أنو شرْوَان الْعَادِل، أَن أَمِير " خُرَاسَان " كَانَ نَائِما فِي دَاره، فَسرق من دَاره أَكثر أَمْوَاله، فَأمر أنو شرْوَان بِأَن يعْزل ذَلِك الْملك، على خُرَاسَان، وَقَالَ: " كل ملك لَا يقدر على حفظ بَيته من السَّارِق، فبطريق الأولى أَلا يقدر على حفظ ولايتنا ". فَيجب على السلاطين والأمراء، أَن ينصبوا على أُمُورهم رجَالًا عقلاء، أَصْحَاب الْمُرُوءَة، والشفقة، والتأني، وَالْوَقار، مميزين بَين الْحق وَالْبَاطِل، وَبَين الْحَلَال وَالْحرَام. حِكَايَة: يحْكى أَن أرسطاطاليس نصح يَوْمًا لذِي القرنين عَلَيْهِ السَّلَام، وَقَالَ: " إِن ترد أَلا تكون فِي الدُّنْيَا ذليلا، فَلَا تخَالف أَمر الله تَعَالَى، وَإِن ترد أَلا تضيع مَالك فَلَا تَمنعهُ عَن مستحقيه، وَأَن ترد أَن يكون جَمِيع أَمرك صَوَابا، فَلَا تعجل فِي أَمرك، وَاجعَل رَأس مَالك الْعَمَل الصَّالح وَأمر الدّين ". حِكَايَة: سَأَلَ مُعَاوِيَة يَوْمًا أحنف بن قيس - وَكَانَ من أكَابِر ذَلِك الزَّمَان - " كَيفَ الزَّمَان؟ قَالَ أحنف بن قيس: " أَنْت الزَّمَان، إِذا صلحت صلح الزَّمَان، وَإِذا فَسدتْ فسد الزَّمَان ".

<<  <   >  >>