دلّ الحَدِيث على أَن الْقيام بهما يسْتَحق الْعِزّ فِي الدَّاريْنِ، فَأَما المقصر فيهمَا يسْتَحق المذمة والمذلة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. فَأَما من رزقه الله تَعَالَى الْخلَافَة يَنْبَغِي لَهُ أَن يعدل أَولا على نَفسه، بِأَن يَطْرَحهَا فِي كورة الشَّرِيعَة، لتأتمر بأوامر الله تَعَالَى، وتنتهي عَمَّا نهى الله تَعَالَى عَنهُ، فَحِينَئِذٍ تخرج نَفسه من خساسة الأمارية، ويوجهها إِلَى حَضْرَة الله تَعَالَى، فَيكون الْقلب متصفا بِالصِّفَاتِ الحميدة، وَالنَّفس مُجَرّدَة عَن الصِّفَات الذميمة، وَالروح مُتَعَلقَة بالأخلاق الْعلية، فيؤثر ذَلِك على جَمِيع الْبدن والجثة، فَحِينَئِذٍ خَشَعت النَّفس وخضعت فِي الْعِبَادَة، وَهُوَ سر قَوْله تَعَالَى: {الَّذين هم فِي صلَاتهم خاشعون} (الْمُؤْمِنُونَ ٢) وسر قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام: " لَو خشع قلب هَذَا لخشع جوارحه) . فَيصْرف الْملك حِينَئِذٍ جَمِيع عمره فِي عبَادَة الله تَعَالَى، وَلَا يخرج عَن حكم الشَّرْع طرفَة عين، لكَون نَفسه حِينَئِذٍ مطمئنة، كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {يَا أيتها النَّفس المطمئنة ارجعي إِلَى رَبك راضية مرضية فادخلي فِي عبَادي وادخلي جنتي} (الْفجْر ٢٧، ٢٨، ٢٩، ٣٠) فَحِينَئِذٍ يجب على الْخَلَائق طَاعَة ذَلِك الْأَمِير الْعَادِل كَمَا قَالَ الله تَعَالَى: {أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول وأولي الْأَمر مِنْكُم فَإِن تنازعتم فِي شَيْء فَردُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُول إِن كُنْتُم تؤمنون بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر ذَلِك خير وَأحسن تَأْوِيلا} {النِّسَاء ٥٩} . اعْلَم أَن مُنَاسبَة هَذِه الْآيَة بِمَا قبلهَا: أَنه تَعَالَى لما أَمر الرُّعَاة والولاة بِالْعَدْلِ فِي الرّعية أَمر الرّعية بِطَاعَة الْوُلَاة فَقَالَ: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أطِيعُوا الله وَأَطيعُوا الرَّسُول} (النِّسَاء: ٥٩) ، وَلِهَذَا قَالَ عَليّ بن أبي طَالب كرم الله وَجهه: " حق على الإِمَام أَن يحكم بِمَا أنزل الله تَعَالَى وَيُؤَدِّي الْأَمَانَة، فَإِذا فعل ذَلِك، فَحق على الرّعية أَن يسمعوا ويطيعوا ". وَفِي سَبَب نزُول هَذِه الاية قَولَانِ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute