للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الآخر فتراه حفظ القرآن .. ومع حفظ القرآن لم يستطع الكف عن الاستمناء .. لأن النفس استولت على هذا الحفظ فصيّرته جندا لها .. فافتخر قائلا: أنا فلان ..

افتخار .. كبر .. غرور ... عجب .. رضا عن نفس .. احتقار للآخرين .. فيصير العمل وهو جند القلب من جند النفس.

يقول ابن القيّم:

فتراه أعبد ما يكون .. أزهد ما يكون .. أشد اجتهادا ما يكون .. وهو عن الله أبعد ما يكون .. وأصحاب الكبائر الظاهرة أقرب قلوبا الى الله وأجنى الى الإخلاص والخلاص منه ..

فانظر الى السّجّاد الزاهد العبّاد .. الذي بين عينيه أثر السجود .. كيف أورثه طغيان عمله أن أنكر على النبي صلى الله عليه وسلم ..

قال النبي صلى الله عليه وسلم:" يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية" (١).

ذو الخويصرة التميمي لما كان عبدا زاهدا سجّادا عبّادا .. علامة الصلاة في وجهه .. ومع ذلك قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:" اتق الله واعدل فهذه القسمة لم يرد بها وجه الله" لأنه رأى نفسه ...

انظر الى هذا العبّاد الزاهد الذي بين عينيه أثر السجود كيف أورثه هذا طغيان عمله أن أنكر على النبي صلى الله عليه وسلم وأورث أصحابه احتقار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم حتى سلّوا عليهم سيوفهم واستباحوا دمائهم ..

وانظر في المقابل الى السّكّير الذي كان كثيرا ما يؤتى به الى النبي صلى الله عليه وسلم فيقيم عليه الحد على الشراب .. كيف قامت به قوة إيمانه ويقينه ومحبته لله وتواضعه وإنكساره حتى نهى رسول الله عن لعنه .. ؟!

من هنا نفهم أن طغيان المعاصي أسلم من عاقبة طغيان الطاعات ..

إخوتاه .. كانت كل تلك مقدمات بين يدي سؤالنا ..


(١) أخرجه البخاري (٤٣٥١) كتاب المغازي ومسلم (١٠٦٤) كتاب الزكاة.

<<  <   >  >>