إن المباني الصرفية الماضية لم تتناول مباني الضمائر والخوالف والظروف والأدوات؛ لأن ما سبق من المباني صيغ, ولا صيغ لهذه الأقسام المذكورة لأنها غير متصرفة. ومن هنا أجد من الضروري أن أشرح طبيعة مباني هذه الأقسام وصلتها بالعلامات التي تتحقق هي بواسطتها, ومفتاح الكلام في هذا الموضوع هو فكرة العموم والخصوص, أو بعبارة أخرى: فكرة الإطلاق والتقييد, فضمير الرفع للمفرد المتكلم "أنا" على إطلاقه هو المبنى, وأما العلاقة التي يتحقق بها هذا المبنى في "أنا" من قولي "أنا أكتب" فلفظ "أنا" بخصوصه في هذه الجملة علامة تتحقق بها "أنا" على إطلاقها, أي "أنا" الموصوفة بأنها ضمير الرفع للمفرد المتكلم, والمفهومة من هذا العنوان, والتي لا تنطق لأنها مطلقة وتندرج تحتها ملايين العلامات. ومثل ذلك يقال في "هيهات" على إطلاقها, و"هيهات" من قول الشاعر:
فهيهات هيهات العقيق ومن به
فالأولى مبنى والثانية علامة لأنها واردة في نص بخصوصه, ومثله أيضًا يقال في "حيث" على إطلاقها, فهي تعتبر مبنى لهذا الظرف, و"حيث" التي في قول الشاعر:
إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم
وهي هنا علامة لورودها في نص بعينه, وكذلك الأمر في "من" المطلقة التي تعتبر مبنى لحرف الجر المذكور و"من" التي في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} فهي بخصوصها في هذه الآية علامة تحقق بها في النطق ذلك المبني الصرفي المذكور.
وما دامت المباني الصرفية تعبر عن معانٍ صرفية أو تتخذ قرائن لفظية على معانٍ نحوية, فلا بُدَّ أن يكون أمن اللبس بين المبنى والمبنى غاية كبرى تحرص عليها اللغة في صياغتها للمباني الصرفية, ولا بُدَّ لضمان أمن اللبس على المستوى الصرفي أن تقوم القيم الخلافية بدور التفريق بين المباني من ناحية الشكل ليكون هناك فارق بين المعنى الصرفي وأخيه, أو بين الباب النحوي وأخيه "وأقصد بالباب هنا المعنى النحوي كالفاعل ونائبه إلخ", وقد تكون القيمة الخلافية مقابلة الحركة