للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هنا أودّ أن أشير إلى أن الصيغة الصرفية هي وسيلة التوليد والارتجال في اللغة، فإذا أردنا أن نضيف إلى اللغة كلمة جديدة عن أحد هذين الطريقين فإننا ننظر فيما لدينا من صيغ صرفية وفيما تدل عليه كل صيغة من المعاني، ثم نقيس المعنى الذي نريد التعبير عنه على المعاني التي تدل عليها الصيغ, فإذا صادفنا الصيغة المرادة صغنا الكلمة الجديدة على غرارها توليدًا أو ارتجالًا، ولما كانت الأسماء والصفات والأفعال هي وحدها صاحبة الصيغ الصرفية كانت هي أيضًا مجال التوليد. أما الضمائر والخوالف والظروف والأدوات فلا توليد فيها لأنَّ بناءها لا يكون على مثال الصيغ الصرفية؛ ولأن معانيها وظيفية ومحدودة ومقصورة على السماع في الوقت نفسه، ولا تتطلّب اللغة الجديد من المعاني الوظيفية, ولكنها تتطلب الجديد من المعاني المعجمية، فلا يكون إثراء اللغة بإضافة الجديد من الضمائر والخوالف والظروف والأدوات إلى ما يوجد فيها فعلًا, وإنما يكون بإضافة الأسماء والصفات والأفعال ذات الصيغ؛ لأن الصيغ هي مجال التوليد والارتجال كما ذكرنا.

ومعنى ما تقدَّم أن العناصر القابلة للتحول والتطور في اللغة هي المفردات ذات الصيغ "أي: العناصر ذات الصيغ الاشتقاقية", وأن العناصر الأخرى التي لا تخضع للصياغة الاشتقاقية إنما هي مبانٍ تنتمي إلى نظام اللغة, فمعانيها وظيفية وصورها محفوظة مسموعة, فتطور اللغة دائمًا يأتي عن طريقة إضافة حروف أو ظروف أو ضمائر جديدة إلى اللغة, ولا يأتي كذلك عن طريق إضافة صيغ صرفية جديدة إلى النظام الصرفي للغة الفصحى؛ لأن هذه الصيغ أيضًا محددة, وقد أحصينا معظمها منذ قليل، فهل معنى هذا إذًا أننا إذا أردنا إثراء اللغة عن طريق إضافة صيغ جديدة كنّا كمن يكلف الأشياء ضد طباعها؟ إذا كان السؤال متجهًا إلى العرف اللغوي العام فالجواب نعم، أما إذا كان متجهًا إلى العرف الخاص فالجواب لا. وإليك التفصيل:

لقد استطاع الناس دائمًا أن يخلقوا اللغات لأنفسهم وأشهر ما نعرفه من ذلك اللغات السرية بين اللصوص والماسونيين والجواسيس وغير السرية

<<  <   >  >>