للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولا أكاد أملّ ترديد القول: إن العلامة الإعرابية بمفردها لا تعين على تحديد المعنى, فلا قيمة لها بدون ما أسلفت القول فيه تحت اسم "تضافر القرائن", وهذا القول صادق على كل قرينة أخرى بمفردها, سواء أكانت معنوية أم لفظية, وبهذا يتضح أن "العامل النحوي", وكل ما أثير حوله من ضجَّة لم يكن أكثر من مبالغة أدَّى إليها النظر السطحي والخضوع لتقليد السلف والأخذ بأقوالهم على علاتها.

٢- الرتبة: أميل إلى الاعتقاد أن عبد القاهر حين صاغ اصطلاحه "الترتيب" قصد به إلى شيئين؛ أولهما: ما يدرسه النحاة تحت عنوان: "الرتبة" "وإن كانوا لم يعنوا بها تمامًا, وإنما فرقوا القول فيها بين أبواب النحو", وثانيهما: ما يدرسه البلاغيون تحت عنوان التقديم والتأخير, ولكنَّ دراسة التقديم والتأخير في البلاغة دراسةً لأسلوب التركيب لا للتركيب نفسه, أي: إنها دراسة تتمّ في نطاقين أحدهما: مجال حرية الرتبة حرية مطلقة, والآخر: مجال الرتبة غير المحفوظة, وإذًا فلا يتناول التقديم والتأخير البلاغي ما يسمَّى في النحو باسم الرتبة المحفوظة؛ لأن هذه الرتبة المحفوظة لو اختلت لاختلَّ التركيب باختلالها, ومن هنا تكون الرتبة المحفوظة قرينة لفظية تحدد معنى الأبواب المرتبة بحسبها, ومن الرتب المحفوظة في التركيب العربي أن يتقدم الموصول على الصلة, والموصوف على الصفة, ويتأخر البيان عن المبين, والمعطوف بالنسق على المعطوف عليه, والتوكيد عن المؤكد, والبدل عن المبدل, والتمييز عن الفعل ونحوه, وصدارة الأدوات في أساليب الشرط, والاستفهام والعرض والتحضيض ونحوها, وهذه الرتبة "صدارة الأدوات" هي التي دعت النحاة إلى صوغ عبارتهم الشهيرة "لا يعمل ما بعدها فيما قبلها", ومن الرتب المحفوظة أيضًا تقدم حرف الجر على المجرور, وحرف العطف على المعطوف, وأداة الاستثناء على المستثنى, وحرف القسم على المقسم به, وواو المعية على المفعول معه, والمضاف على المضاف إليه, والفعل على الفاعل أونائب الفاعل, وفعل الشرط على جوابه, ومن الرتب غير المحفوظة في النحو رتبة المبتدأ والخبر, ورتبة الفاعل والمفعول به, ورتبة الضمير والمرجع, ورتبة الفاعل والتمييز بعد نعم, ورتبة الحال والفعل المتصرف, ورتبة المفعول به والفعل.

<<  <   >  >>