حتى حين يكون معناه في السياق الاستقبال. وواضح أن كل نظام مهما افترض لنفسه من الإطلاق لا بُدَّ أن يصادف من مشكلات التطبيق ما يتطلب حلولًا من نوعٍ ما. فلما نسب النحاة المضي دائمًا إلى صيغة "فَعَلَ" وقبيلها, ونسبوا الحال أو الاستقبال دائمًا إلى صيغتي "يفعل" و"افعل" وقبيلهما, نظروا في الجملة الخبرية المثبتة والمؤكَّدة فلم يجدوا هذه الدلالات الزمنية تتأثر تأثرًا كبيرًا بعلاقاتها في السياق. ولكنهم عند نظرهم إلى الجملة المنفية وجدوا المضارع المنفي قد يدل على المضي, وحين نظروا في الجمل الإنشائية وجدوا صيغة "فَعَلَ" تفيد الاستقبال في التحضيض والدعاء والشرط مثلًا, ولما كانت قواعدهم التي وضعوها عزيزة على أنفسهم لم يخطر ببالهم أن يعيدوا النظر في نظام الزمن في ضوء مطالب السياق, وساغ لهم في حرصهم على القواعد أن ينسبوا اختلاف الزمن إلى الأدوات, فقالوا: إن "لم" حرف قلب, وإن "إذا" ظرف لما يستقبل من الزمان, ولست أدري لم أحجموا عن نسبة مثل هذا المعنى إلى "إن" الشرطية التي تتحوّل بعدها صيغة "فَعَلَ" إلى معنى الاستقبال, والخلاصة: إن النحاة لم يحسنوا النظر في تقسيمات الزمن في السياق العربي إذ كان عليهم أن يدركوا طبيعة الفرق بين مقررات النظام ومطالب السياق, ثم أن ينسبوا الزمن الصرفي إلى النظام الصرفي, وينسبوا الزمن النحوي إلى مطالب السياق. وهذه المطالب هي التي اصطلحنا على تسميتها بالظواهر الموقعية, وما دام الزمن النحوي وظيفة في السياق يؤديها الفعل والصفة إلخ, فلا بُدَّ أن تلعب القرائن الحالية والمقالية دورها كاملًا في تحديد هذا الزمن.
وإذا كان الزمن النحوي وظيفة في السياق فإنَّ علينا أن ننظر في هذا السياق لنكشف عن الزمن, وإن الذي يمكننا أن ننظر إليه من أنواع السياق هو أنواع مباني الجملة العربية. فالجملة العربية تنقسم إلى قسمين رئيسيين هما: الجملة الخبرية والجملة الإنشائية, وتحت كلٍّ منهما تفريعات على نحو ما يبدو فيما يلي: