أرجو عند هذا الحد أن أكون قد بينت الزمن النحوي في اللغة العربية الفصحى كيف يكون صرفيًّا وكيف يكون نحويًّا سياقيًّا, ثم كيف يكون مطلقًا وهو صرفي فتدل الصيغة بشكلها عليه دلالة لا تتخلف, وكيف يكون مقيدًا بالجهة وهو نحوي فيكون وظيفة في السياق لا ترتبط بصيغة بعينها, فتصلح كل صيغة بحسب الجهة أن تدل على زمنٍ ما قد لا ينسب إليها على مستوى النظام الصرفي. ولكن ما الجهة؟ يمكن الإجابة على هذا السؤال فيما يلي:
ذكرنا عند تقسيم الكلم أن الفعل يدل باشتقاقه على الحدث, ويدل بصيغته على الزمن, ولكن هذا الذي قلناه عن الفعل كان على المستوى الصرفي؛ حيث يرتبط الزمن بالصيغة المفردة التي ليست داخلة في سياق. وذكرنا منذ قليل أن صيغة الفعل أو الصفة أو المصدر وهي في السياق ليست بمفردها قرينة على الزمن المراد, وإنما تظاهرها في ذلك قرائن أخرى حالية ومقالية في السياق, نختار من بينها الجهة لنجعلها موضوع كلامنا هنا.
والجهة aspect تخصيص لدلالة الفعل ونحوه, إما من حيث الزمن وإما من حيث الحدث, فهناك جهات في اللغة العربية لتقييد معنى الزمن, وقد رأينا ذلك فيما سبق من تفريعات زمنية نحوية, ورأينا أن المباني الدالة على الجهات الزمنية هي في جملتها أدوات ونواسخ قد عددنا منها: قد ولم ولما ولن ولا وما والسين وسوف وكان وما زال وظل وكاد وطفق, وفوق كل ذلك تلعب الظروف الزمانية دورها الهام جدًّا في هذا المجال بتخصيص الزمن النحوي بواسطة الدلالة على توقيت الحدث الواحد الذي يدل عليه الفعل ونحوه في الجملة, أو بواسطة الدلالة على الاقتران الزماني بين حدثين مدلول عليهما بعنصرين مختلفين في الجملة, ويتمّ النوع الأول من نوعي التخصيص الزمني بواسطة الأسماء ونحوها مما ينقل إلى استعمال الظروف, ويدل على أوقات؛ كالآن واليوم وغدًا وبعد سنة ومنذ يومين وأمس, كما يتم النوع الثاني من التخصيص بواسطة الظروف الزمانية نفسها, وهي: إذ وإذا وإذًا ومتى وأيان, فكل واحد من هذه الظروف الزمانية يدل على اقتران زمني