الصرف من جهة, وعلى الأصوات من جهة أخرى, وإلى أي حد يعتمد الصرف على الأصوات, ثم إلى أي حد تترابط هذه الأنظمة في مسرح الاستعمال اللغوي, فلا يمكن الفصل بينها إلّا صناعة, ولأغراض التحليل فقط.
لقد أشرنا في ثنايا الكلام إلى المبنى الصرفي ومدى أهميته في فهم المعاني الصرفية والمعاني النحوية على السواء, بل للمعاني المعجمية أيضًا, ونودّ أن نوضِّح هنا مكان المبني في مجال خطة الكشف عن المعنى. ونبدأ ذلك بتأكيد وضعية ثلاثية في الاصطلاح لا بُدَّ من الإحاطة بها, وهي تبدو على النحو التالي:
والملاحظ هنا أن المباني تجريدات لا منطوقات ولا مكتوبات, أي: إنها أقسام شكلية ينطوي تحت كل منها ما لا حصر له من العلامات المنطوقة في استعمال المتكلمين, والمخطوطة في استعمال الكاتبين, وهذه الأقسام جزء من اللغة شأنها شأن المعاني ذاتها, على حين نجد العلامات جزءًا من الكلام بشقيه المنطوق والمكتوب. وفائدة اعتبار المبني في أنظمة اللغة وفي تحليلها في ضوء هذه الأنظمة, أن اللغة لا يمكن أن تكون نظامًا من المعاني التي لا مباني لها؛ لأن المباني رموز المعاني, ولا غنى عن الرمز في نظام كاللغة هو في أساسه نظام "رمزي". ولولا المباني وهي تجريدات وتقسيمات شكلية تندرج تحتها العلامات المنطوقة أو المكتوبة, ما كان من الممكن للباحث أن يعبر عن حقائق البحث اللغوي مستقلة عن الاستعمال الفعلي للكلام، ولأصبح الباحث في عجزه عن التبويب والتقسيم في تيهٍ لا ينتهي مداه من مفردات الاستعمال.