للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كل شيء قد أصبح اليوم خاضعا لمنهج العلوم الطبيعية الدقيق، وها هو علم الجمال وعلم النفس وعلم الاجتماع تجري فيها التجارب والأبحاث، وتدون النتائج وتستنبط القوانين، فما بالنا لا نستفيد في دراسة الأدب من كل ذلك؛ بل ما لنا لا نجعل من النقد هو الآخر علما له معادلاته ومبادؤه؛ وذلك أملا في إكسابه ثبات المعرفة العلمية وتجنب ما في تأثرات الذوق من تحكم، وما في الأحكام الاعتقادية من مسلمات غير ثابتة، وهنا أيضا أترك الرد للانسون، حتى لا يتساءل صديقنا الأستاذ خلف الله مرة أخرى عن المراجع.

يقول لانسون: "التجربة قد حكمت بفشل تلك المحاولات" ويضيف: "واستخدام المعادلات العلمية في أعمالنا بعيد عن أن يزيد قيمتها العلمية، وهو على العكس ينقص منها أن تلك المعادلات ليست في الحقيقة إلا سرابا، عندما تعبر في دقة حاسمة عن معارف غير دقيقة بطبيعتها، ومن ثم تفسدها. فلنحذر الأرقام، الرقم لا يمحو الفضفاض والعائم في تأثرنا بل يستره، وكل من له أقل دراية بفن الكتابة يستطيع أن يجد في اللغة العادية الوسائل التي يوضح بها المفارقات الدقيقة التي بدونها لا نصل في دراستنا إلى صواب، وتلك المفارقات لا تخضع للأرقام".

ويستمر لانسون في توضيح تلك الفكرة الهامة في صفحات كنت أرجو أن أنقلها كلها إلى القارئ، فعنده "أن الاصطلاح العلمي عندما ننقله في الأدب لا يلقى غير ضوء كاذب بل قد يحدث أن يلقى ظلمة١. وأمعن في الروح العلمية موقف أولئك الأدباء الذين لا يدعون بناء أي شيء على أي أنموذج غيره، بل يقصرون علمهم على رؤية الوقائع الداخلة في مجال بحثهم، والعثور على العبارات التي لا تخلف شيئا خارجا عنها ولا تضيف إليها إلا أقل ما يمكن.. والشيء الذي يجب أن نأخذه عن العلم ليس كما قال فردريك رو هذه الوسلية أو تلك.. بل روحه".

ويعلق لانسون على أقوال رو فيقول: "إن ما نستطيع أن نأخذه عن العلماء هو النزعة إلى استطلاع المعرفة والأمانة العقلية القاسية والصبر الدءوب، والخضوع


١ ضرب لذلك مثلا كلمة السيكولوجية التي يستخدمها الأستاذ خلف الله بحيث لا أذكر أن مقالا واحدا من مقالاته قد خلا منها، فأنا لا أفهم السر في استخدامه لها عندما يقول مثلا سيكولوجية الحجاج أو سيكولوجية زياد ابن أبيه، إذا ترجم إلى العربية اصطلاحه فيكون "علم نفس الحجاج" و"علم نفس زياد ابن أبيه"، والحجاج وزياد ليس لهما علم نفس، وإنما كانت لهما -رحمهما الله- عقلية أو نفسية، أو إن شئت فقل مع المرحوم طه إبراهيم: "ذهنية"، أليس في "سيكولوجية" ما يلقي ظلمة وإن ألقى فضوءًا كاذبًا؟

<<  <   >  >>