للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منهجنا، ولتكن أمثلتنا من بين المسائل النفسية التي عالجها صديقنا وغيره من النقاد المصريين، ولنكتف بمثلين: دراسة شخصية الحجاج التي نشرها الأستاذ خلف الله "بالثقافة" ومسألة التصغير عند المتنبي كما نشرها الأستاذ العقاد في "المطالعات".

درس الأستاذ خلف الله خطب الحجاج فوجده رجلا ورعا قوي الإيمان من جهة، قاسيا صلبا من الجهة الأخرى، وذكر أن بعلم الأمراض النفسية شيئا اسمه "ازدواج الشخصية" بل وفطن إلى أن هذه الحقيقة العلمية قد استخدمت في الأدب نفسه، فكتب أحد الروائيين الإنجليز قصة بعنوان "دكتور جيكل آند مستر هيد"١، وفيها يصور المؤلف رجلا يعمل بالنهار كطبيب شريف رقيق، وفي الليل ينقلب شريرا مجرما. وما دام الحجاج قد جمع إلى التقوى الصرامة فهو إذن مزدوج الشخصية، وهو -في رأي الأستاذ- مثل قديم "لدكتور جيكل آند مستر هيد". وهذا مثل لتطبيق مبادئ علم النفس على الأدب، مثل ذلك نرى فيه إغراء المذهب وإفساد الفكرة لحقائق النفوس، وهو بعد لا يقل إسرافا وخطرا وخطأ عن محاولة برونتير تطبيق مبادئ التطور على الأدب كما رأينا في المقال السابق. الحجاج أقوى شخصية من الازدواج. الحجاج نفس مؤمنة تتعصب لما تؤمن به، والتعصب قسوة، نفس قوية بوحدتها.

نظر الأستاذ فوجد الحجاج يقول: "إني لأرى رءوسا قد أينعت وحان قطافها وإني لصاحبها ... وإني ... وإني ... "، وذكر أن في علم نفس الأطفال مرحلة تسمى التركيز الآني "ego- centrisme" وهي تلك التي يرد فيها الأطفال كل شيء إلى أنفسهم، كأن العالم الخارجي امتداد لذواتهم، وكأنهم جزء لا ينفصل عن ذلك العالم حتى يتم لهم إدراك انفصال أجسامهم عن غيرهم وتمييزها عما سواها، وها هو الحجاج يكثر من استعمال ضمير المتكلم، وإذن فلا بد أنه ولوع بذاته، مركز للعالم في آنيته، وهذا مثل ثانٍ لطغيان علم النفس على الأدب. وأنا بعد لا أرى في هذا ذاتية ما، وإنما هي حماسة قلب تلتمس من طرق الأداء وما يشفيها، ذلك ما يحدثني به المنهج الفقهي -المنهج الطبيعي المستقيم.

وكذلك يفعل الأستاذ العقاد، فهو بلا ريب يعلم ونعلم معه أن المتنبي كان


١ "دكتور جيكل آند مستر هيد" هكذا كتب الأستاذ خلف الله في الثقافة، وأنا بعد لا أدري لماذا لم يترجم حرف العطف "آند And" بالواو فيقول "دكتور جيكل ومستر هيد" وأنا قد أفهم على مضض إصراره على استخدام لفظة "سيكولوجية". وأما "آند" بدلا من واو العطف فذلك ما لا أقبل به.

<<  <   >  >>