للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستطيع بلا ريب أن يحمل بطله على أن يطلب إلى المرأة أن تكون "برقا يلتوي في سماء مغبرة". وأما أن يلعب بالقلب كرة القدم فهذا ليس أدبا ولا أسلوب أدب.

والقصة الثانية "طبق فول" تبتدئ أيضا بالمرأة، هكذا "كانت المرآة لا يعوزها سوى الصفاء، وفي الأشياء ما يعوزه الأهم. فيعجب كيف يكون؟ إني أعرف برلمانا يفتقر الحين بعد الحين إلى ثقة الأمة". وأنت تعجب لهذه المهارة المسرفة التي تجمع بين صفاء المرآة وثقة الأمة بغير رابطة إلا أن تكون هذه النقط الدقيقة التي وضعها المؤلف بين جملتيه! والمرآة العاشقة توحي إلى المؤلف "بأن الإحساس السخي ولد في زرقة سماء لم يرد وصفها في كتاب، ثم هبط على جناح التفدية حتى سمرة الأرض، فضاع خيره في الأزقة القاتمة والسهول البائرة بين براثن الجشع وقهقهات الاستخفاف". وهذا لا ريب بؤس بشري يدعو إلى الحزن؛ إذ فيه أكبر "استخفاف" بالمعنويات. فقد كنا نقول "السماء الزرقاء" و"الأرض السمراء" فأصبحنا اليوم نسمع "زرقة سماء" و"سمرة الأرض" ولِمَ لا؟ أليس في ذلك تجديد؟ أليس فيه تجريد للصفة وإضافة للموصوف؟ ألم ترَ له شبيها عند الفحول؟ أليس هو "الأسلوب الفني" العزيز المنال؟ ومع ذلك يمجه كل ذوق سليم! ثم إن بطل القصة "يركز أوتاد نهاره في المطعم وينصب خيمة الليل في القهوة" أي إنه "بلغتنا" ينفق نهاره في المطعم وليله في القهوة، ولقد تكون لليل خيمة وإن كنت أظنها أكبر من أن تحويها قهوة وأرفع من أن تطمئن إلى الصخب، وأما "أوتاد النهار" فذلك ما لا علم لي به وإن كنت أعلم أن الخيمة هي التي تحتاج إلى أوتاد.

ومؤلفنا لا يكتفي بالإسراف والتكلف، والجمع بين ما لا صلة بينه، وزج الملاحظات الاجتماعية أو الأخلاقية أو السياسية حيث لا محل لها؛ بل يأبَى إلا أن يعقب على معظم فقراته، مستخرجا العبر النادرة. فبطلة "طبق فول" تلبس "معطفا منزعجا على كتفها وحذاء له كعب، طوله طول أنفها.. التناسب مع شرائط الفتنة"! وهكذا ندرك في الكاتب حرصه على التفاصيل وإقامة النسب بين طول كعب الحذاء وطول أنف امرأته المسكينة! ونحس بسخريته اللطيفة الفنانة تطالعنا من ثنايا تعقيبه الرابع "المنزعج": "التناسب من شرائط الفتنة؟! " ونظر لطيف أفندي إلى المرآة "طبعا؟! " "بمؤخرة عينه يلومها على عكس وجهه وقد تنبه أن الماء لم يحيه بعد" ومعنى الجملة الأخيرة فيما أظن "أنه لم يكن قد غسل وجهه"!

<<  <   >  >>