للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نتحدث عن كتابه، كما نعلن عن "صابون النمر" أو "اسبرو الروماتيزم"، وذلك في غير نفع لأحد، فالكاتب نفسه لا يخدعه هذا النفاق، وإلا كان من الغفلة بحيث لا يستحق أن يسمى كاتبا، والجمهور قد طالت خديعته حتى استيقظ ففقد الثقة في الكثير مما يقرأ عن الكتب والكتاب.

وأنا أعلم ما في هذه الصفحات من جهد، ولكني أقدمت لغرضين: أولهما أن أكون هاديا لجمهور القراء، أسبقهم إلى قراءة ما يقع تحت يدي من الكتب. فإن وجدت فيها خيرا أظهرت ذلك الخير، ودعوت غيري إلى مشاطرتي إياه، إن لم أجد حدثت القراء عن تجربتي لعلها تنفع، ولو في تلك الحدود الضيقة التي يفيد الناس من تجارب غيرهم، وثانيهما أن أكون عونا للكاتب الجيد على أن يؤدي رسالته لدى الجمهور، سواء أكان هذا الكاتب ناشئا ينبعث عنه الأمل أم منتهيا قد وفق إلى أن يخلف على رمال الزمن وقع أقدامه.

وإنه ليسرني أن أقود الجمهور خلال ما يكتب أدباؤنا الذين انتهوا إلى أوج المجد، ولكن على شرط ألا يقع هؤلاء الكتاب فريسة لنجاحهم نفسه، فتعقم نفوسهم بالزهو وتفسد أمانة عقولهم، فلا يأخذون أقلامهم بالجهد معتمدين على ما اكتسبوا من مجد أو شهوة، وكم لدينا من كتاب قد أصبحنا نحس أنهم لا يشقون في العناية بما يكتبون، ولا في التفكير فيه؛ لوثوقهم -فيما يظنون- من إقبال الجمهور عليهم، ولو كانت كتابتهم هذرًا وسخافة. وأصحاب المطابع والمجلات يقبلون بلهفة ما يقدمون إليهم؛ إذ يضمنون من ورائه الرواج المادي بفضل حمق الجمهور في تعلقه بالأسماء، أكثر من تعلقه بقيمة ما يقرأ. وفي هذا استخفاف بعقلية القراء اليقظين ذوي النظر السليم، كما أن فيه قضاء مبرما على الكُتَّاب أنفسهم، وخسارة كبيرة تنزل بتراثنا الروحي وثقافتنا الراهنة التي نريد أن نبنيها بناء أصيلا، والتي ما زلنا عند الحجارة الأولى من أساسها. وكتابنا الأفاضل يعلمون حق العلم أن أول واجباتهم إن كانوا حريصين على المجد الحقيقي، المجد الذي يفلت من طوفان الزمن، المجد الباقي لا تهريج الجماهير -هو أن يأخذوا أنفسهم بالجهد المتصل والمراقبة المستمرة والقسوة اليقظة في المقال وفي الكتاب؛ بل في الحديث إلى الناس مجرد حديث يتبدد أنفاسا، فالتفكير أمر شاق والعبارة عنه أشق.

فليحذورا إذن أنفسهم وليحذورا النجاح.

وثمة مشكلة السينما والراديو والمجلات والجرائد، والذي لا شك فيه أن هذه

<<  <   >  >>